نقلا عن مجلةالمصور
الصفحة الأخيرة
تذكرت كلمات طيّب الذكر «صلاح جاهين» بعنوان «محلاك يا مصرى».. لحنها العبقرى محمد الموجى، وغنتها كوكب الشرق «أم كلثوم» بمناسبة انسحاب المرشدين الأجانب من إدارة القناة بعد تأميمها سنة 1957 وتقول:
«محلاك يا مصرى وأنت عالدفة والنصرة عاملة فى الكنال زفة
يا أولاد بلدنا تعالوا عالضفة شاورولهم غنولهم وقولولهم
ريسنا قال ما فيش محال راح الدخيل وابن البلد كفى
حيوا الرجال السمر فوق السفينة حيوا اللى جاهدوا عشان ما يفرح وادينا
بصت لنا الدنيا وشافت عملهم غنت بكل لسان على كل مينا».
طفت على سطح ذاكرتى كلمات الراحل «صلاح جاهين» وأنا أطالع الصخب الذى صاحب الإعلان عن اتفاق قادة بعض الدول على مشروع لإنشاء ممر أو خط نقل بحرى برى للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، على هامش قمة «مجموعة العشرين» فى نيودلهي.
الإعلان عن المشروع العالمى تحول إلى «مناحة» على قنوات الإخوان والمؤلفة قلوبهم، ونشطت جماعة «خراب مصر» فى العويل والنواح على قناة السويس، وما ينتظرها من تداعيات المشروع على حركة التجارة العالمية، وكأن المشروع يستهدفها بالأساس، وكأن دول العالم تستهدف القناة تحديدا بمشروعات بآلاف المليارات من الدولارات.
حالة من الحقد تغلى فى قلوبهم السوداء، الإعلان عن المشروع، استنفر مكامن كراهيتهم الدفينة لكل ما هو مصرى، وتنادوا فى منافيهم البعيدة إلى النواح على القناة، يباركون المشروع، ويتبادلون التهاني، ويشربون الأنخاب حتى الثمالة، مُنى عينهم تخرب القناة بما يعنى خراب مصر.
موتوا بغيظكم، اللهم إنا نجعلك فى نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، منذ وعيت على الدنيا، وأسمع وجيلى يسمع عن مشروعات عالمية لإقامة خط أو خطوط برية وملاحية، وفى أنابيب لنقل التجارة العالمية بين الشرق والغرب ما يهدد الملاحة فى قناة السويس، وكأن العالم بأسره يتآمر على القناة، وكلما أعلن عن مشروع نقل حتى فى بحر الشمال المتجمد غالبية شهور العام يتحسس البعض رأسه، ويعتوره الشك، ويخشى ويخاف على درة التاج المصرية (قناة السويس).
حالة القلق الوطنى المشروع تحولت إلى حالة سعار عند جماعة «خراب مصر»، ويتنادون فى منافيهم البعيدة على إحباط معنويات الطيبين، بمزاعم نهاية القناة، وخروجها من الخدمة الملاحية العالمية بفعل المشروعات العالمية التى تستهدف القناة، وكأن العالم من حولنا يتآمر على القناة..

بلغت نهاية العقد الخامس من العمر، ولا تزال هذه المشروعات على الورق، ولا تزال قناة السويس تعمل بكفاءة عالمية فى نقل التجارة حول العالم، نحو 12 فى المائة من حجم التجارة حول العالم يمر بالقناة طوعا وفى أمان وكفاءة.
ولم يتزعزع إيمانى يومًا بأن القناة ستظل لأجيال دون منافس، وأن عليها حارس (الشعب المصرى) يرعاها ويعمقها ويوسعها ويعمل ليل نهار على استمرارها لرخاء المصريين.
أعلاه تعقيب شخصى محض على ما يثار ويقلق الطيبين فى قعور بيوتهم، تعقيب مؤسس على حوارات مطولة على شط القنال مع الفريق «أسامة ربيع»، رئيس هيئة قناة السويس، كلما سألته عن مثل هذه المشروعات المنافسة التى تحملها وكالات الأنباء، يرد بثقة الواثق، الخبير بمثل هذه المشروعات، نصا يقول «إن إدارة التخطيط بالهيئة تدرس كافة المشاريع الملاحية الدولية المنافسة لقناة السويس باهتمام بالغ، والحمد لله جميعها غير منافس حقيقى لنا».
الثابت وكل يوم يثبت أن قناة السويس ستظل خارج المنافسة، وبعد مشروع ازدواج القناة بطول (72 كيلو متراً إلى الشمال)، ومشروع ازدواج المنطقة من الكيلو متر 122 إلى الكيلو متر 132 ترقيم قناة بطول 10 كم، بالإضافة إلى توسعة وتعميق المنطقة الجنوبية لقناة السويس بداية من الكيلو 132 وحتى الكيلو متر 162 ترقيم قناة، بعرض 40 مترًا وعمق 72 قدمًا، بدلًا من العمق الحالى 62 قدمًا.
وبتوسعة وتعميق المدخل الجنوبي، باتت القناة تستوعب أكبر الناقلات، والمرور فى وقت قياسي، وبحمولات مليونية، قناة السويس باتت جاهزة ومستعدة لكبرى الناقلات البحرية الضخمة التى تفضل القناة عن سواها.
العالم يدور حول رأسه عادة بحثا عن مرور آمن ورخيص لتجارته، ولكنه فى الأخير يمر من القناة، ورغم صخب المشروعات التى توصف بالمنافسة تحقق القناة أرقاما قياسية كل عام، ومردودها بلغ 9.4 مليار دولار فى العام الأخير، مع توقعات متفائلة تفوق العشرة مليارات هذا العام.
للمصور الألمانى الشهير «روجر فريتس» مقولة عميقة المعنى مؤداها: «الفرق بين الواقع والحلم هو كلمة من ثلاثة أحرف (عمل)».