سورة الكهف..
والمعجزات الثلاثة
روحانيات محمد نجم
الحمد لله.. وسبحان الله الذى أنزل على نبيه الكريم قرآنا عربيا قيما مستقيما لا إعوجاج ولا اختلاف فيه، ليكون بشرى للمؤمنين، وإنذارا لغيرهم.
وفى سورة الكهف.. يخبر الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد بأخبار الأمم السابقة وما حدث لبعضها، لكى لا يلوم نفسه، ولا يحزن على القوم الظالمين الذين لم يستجيبوا لدعوته.
تضمنت السورة الجامعة ثلاث قصص رائعة، وثلاث أمثلة واقعية عن الدنيا وأحوالها.
أما القصص، فأولها من سميت السورة بهم، وهم أهل الكهف الذين استحقوا أن يصفهم الله بأنهم فتية أمنوا بربهم وزدناهم هدى.
والثانية، قصة النبى موسى عليه السلام والعبد الصالح، حيث التواضع والمشقة فى طلب العلم، ومحاولة فهم ما يغيب عن العقل البشرى المحدود.
والثالثة، قصة ذى القرنين، وهو أحد ملوك الأرض، مكنه الله من بناء سد عظيم.
أما الأمثلة الثلاث، فهى للغنى صاحب الجنتين، والعبد الفقير المؤمن، وتقلبات الحياة على البشر، إلا من رحم ربك، ثم التكبر والغرور وامتناع إبليس من السجود لآدم.
❑❑❑
وتتلخص قصة أصحاب الكهف – كما ذكرت فى أغلب السيرة – أنه بعد سيدنا عيسى، ظهر فى بلاد الروم وتحديدا فى قرية تدعى «طرطوس» ملك جبار سُمى «دقيانوس»، كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام وتقديم القربان لها، مع تهديد كل مؤمن لا يستجيب لدعوته وسلوكه الضال،
وعمت الفتنة البلاد، وسمع بمجموعة الشباب المؤمنين، فاستدعاهم وحذرهم وأنذرهم وإلا سيكون مصيرهم كمن سبقهم ممن لم يستجيبوا لدعوته، ومنحهم مهلة مؤقتة حتى صباح اليوم الثانى، ولكنهم تمسكوا بعقيدتهم وقرروا الفرار بدينهم إلى الله، حيث هربوا إلى أحد الجبال ليلا، وأثناء سيرهم مروا على راع معه كلب فتبعهم الأخير حتى استقروا فى أحد الكهوف،
وضرب الله على قلوبهم وآذانهم فناموا نوما عميقا، وبعد مدة لا يعلموها.. استيقظوا واختلفوا حول مدة النوم، واعتقدوا أنها مجرد ساعات قليلة، وبعثوا بأحدهم ببعض النقود ليأتى لهم بطعام، مع التوصية بالحذر الشديد وأن يتلمس خطاه حتى لا ينكشف أمرهم.
ولكنه أظهر قطعة فضية تمثل إحدى العملات القديمة، وعندما أعطاها للبائع استفسر منه من أين أتى بها؟ معتقدا أنه وقع على كنز كبير، وشرح له الأمر واصطحبه المحيطون به إلى الحاكم الجديد، وكان مؤمنًا نقيًا، فتوجهوا جميعا إلى الكهف ودخل عليهم زميلهم فأقاموا الصلاة، ثم ربت الله على قلوبهم فاستغرقوا فى نومًا أبديًا، فاختلف الناس بشأنهم وقررت الأغلبية بناء مسجدا عليهم.
وهذا الكهف موجود بالمملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، وهو مزار مفتوح للزيارة طوال العام.. ولحسن حظى أننى اقتربت منه كثيرا فى إحدى زياراتى للأردن، ولكن ظروف الطقس وقتها منعتنا من استكمال الزيارة.
ونعود للقرآن الكريم وكيف صور وعرض قصتهم، وكان الله رحيما بهم وجعل كل ما فى الكون مسخرًا لهم يعمل على راحتهم، حتى ظلوا فى شبابهم هذا ثلاثة مائة عام وتسع سنين.
ونبدأ مع قول الله سبحانه وتعالى فى آياته الكريمة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، مع ملاحظة أن هؤلاء الفتية ليسوا أعجب آياتنا ولا أكثرهم إعجازًا، وإنما فتية أمنوا بربهم فزدناهم هدى، وخاصة بعد أن دعوا الله بأن يشملهم برحمته ويمنحهم الرشد والصواب فى الرأى والتصرف.
وهؤلاء الفتية لم ينساقوا وراء الدعوة الضالة ولم يفعلوا مثل غيرهم، بل سألوهم عن أن يأتوا بدليل مقنع على إشراكهم لله، وقد افتروا عليه بالكذب، ولذلك فقرروا اعتزالهم والبعد عنهم والتمسك بعبادة الله رب السموات والأرض، وقرروا الذهاب إلى الكهف حيث يترفق بهم الله ويرحمهم من تهديدات الملك ومن حوله من القوم الظالمين.
ونتوقف هنا عند مرقدهم ورحمة ربك بهم، حيث فناء الكهف متسع يدخله الهواء والشمس، ولكن الأخيرة عندما تطلع فى الصباح تميل عنهم نحو اليمين، وعندما تغرب فى المساء تميل ناحية الشمال حتى لا تأذيهم بشدة حرارتها فى الحالتين.
ذلك.. والكلب المرافق لهم ممد رجليه وجسده فى مدخل الكهف وكأنه حارس لهم من زوار الليل ووحوش الجبل.
والغريب فى الأمر، أن من كان ينظر إليهم يعتقد أنهم مستيقظون، مع أنهم فى نوم وسبات عميق، وذلك لأن قدرة الله جعلتهم يتقلبون على جنوبهم كل فترة وحتى لا تأكل الأرض أجسادهم.
هذا «المشهد» لشباب بين اليقظة والنوم، ومعهم كلب باسط أرجله فى المدخل.. جعله الله مصدر رعب وخوف لمن ينظر إليهم ويدفعه للهرب.. وذلك حماية لهم وأمنا.
مع أنهم عندما استيقظوا لم يجدوا اختلافا كثيرا فى شكلهم.. بل إنهم تساءلوا فيما بينهم عن المدة التى قضوها نائمين، وأجزم بعضهم بأنهم ناموا يوم أو بعض يوم! ولكنهم لم يعلموا بما جرى خارج الكهف من تغير فى الحكم والبلاد والناس والعملة.. إلخ.
وهنا أيضًا نتوقف عند تعبيرين جميلين، الأول، (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً) «الآية 12».
ثم يقول رب العزة فى آية أخرى (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) «الآية 21».
فبعد اكتشاف أمرهم وخلافهم حول المدة التى قضوها فى الكهف، وخلاف الناس حول عددهم إذا كانوا ثلاثة ورابعهم كلابهم أو خمسة وسادسهم كلبهم، يقول الحق سبحانه وتعالى (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ)، فيا أيها النبى لا تجارى القوم فى هذا الجدل، ولا تستفهم فى شىء، وإنما توكل على الله ولا تعد بشىء إلا بأمره.
ونختم بتلك الآيات الكريمة والتى يحرص العديد منا على ترديدها فى مواقف مختلفة (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ).
وأيضًا (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً).
وأخيرًا: (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً).