أهل الأعراف.. الفرقة الثالثة
بسم الله.. والحمد لله.. والله أكبر..
وسبحان الله الذى فصل آياته لقوم يعلمون، وصَّرفها لقوم يشكرون، وأنزل قرآنه العظيم على نبيه الكريم هدى ورحمة للمؤمنين، وعظة وإنذار لغيرهم.
ونتوقف مع سورة الأعراف، والتى جمعت وأوفت.. حيث عرضت قصص الأنبياء بإسهاب ملحوظ لبعضهم، بداية من سيدنا نوح، ومن بعده هود وصالح ولوط وشعيب، وانتهاء بموسى الكليم.
لكنها انفردت بذكر قوم سماهم القرآن «الأعراف» وقد سميت السورة باسمهم، وقد أطلق عليهم البعض «الفرقة الثالثة» فلم يكونوا من البداية من «أصحاب الجنة»، ولم يكونوا فى النهاية من «أهل النار»، ولكنهم كانوا «وسطا» بين ذلك، وقفوا على سور مرتفع يفصل بين الجنة والنار، ينظرون إلى أصحاب الجنة مشتاقين طامعين.. يسألونهم السلام وإذا تصادف ورأوا أهل النار.. سرعان ما يتجهوا للدعاء إلى ربهم أن يبعدهم عنهم ولا يجمعهم بهم.
لقد مهدت الآيات الكريمة فى السورة لذكر أهل الأعراف فعندما يستقر أصحاب الجنة فيها، ينادون على أهل النار.. الذين أضلهم الشيطان وكذبوا بآيات الله.. ويسألونهم فى شماتة.. لقد وجدنا ما وعدنا ربنا.. فماذا عنكم؟ فيجيبون بحسرة وندم: نعم.. لقد حل بنا العذاب ونلنا جزائنا الذى وعدنا به.. وهنا يسمع الجميع «صوت» يقرر لعنة الله على الظالمين، الذين لم يصدقوا الرسل الذين بعثوا إليهم وصدوا عن سبيل الله القويم، وعاشوا دنياهم فى إعوجاج.. وظلوا على كفرهم.
هاتان الفرقتان.. أصحاب الجنة.. وأهل النار، جعل الله بينهما حجاب «سور مرتفع» عليه رجال «الفرقة الثالثة» الذين تساوت أعمالهم.. فحجبتهم حسناتهم عن دخول النار، ومنعتهم سيئاتهم من دخول الجنة، وظلوا فى انتظار رحمة ربهم، وهم يسلمون على أصحاب الجنة طامعين فى الانضمام إليهم، مولين وجوههم بعيدًا عن أهل النار داعين ربهم بالبعد عنهم.
ولكن هؤلاء الرجال من أهل الأعراف تميزوا بأنهم يعلمون «سمات» كلا الفرقتين.. أصحاب الجنة ببياض الوجوه ونضرتها، وأهل النار بسواد الوجوه وقترتها.
ولذلك.. ولعلمهم بسمات أهل النار من كبار الكافرين نادوا عليهم وسألوهم.. مستفهمين فى استنكار وتوبيخ، هل نفعتكم كثرتكم من الأبناء والأموال.
ألم تروا هؤلاء الذين خدعكم غروركم وسخرتم منهم واستكبرتم عليهم، وأجزمتم أن الله لن يدخلهم الجنة.
ثم نادى أهل الأعراف أصحاب الجنة.. مبشرين مهنئين برضى الله (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
ولقد اختلف المفسرون عن طبيعة وأصل أهل الأعراف الذين رضى الله عنهم وبسط عليهم رحمته وأدخلهم جنته، وقيل إنهم سيكونون آخر أهل الجنة دخولا.
فالبعض قال إنهم قوم خرجوا للغزو بغير إذن آبائهم، فقتلوا، فاعتقوا من النار لقتلهم فى سبيل الله، وحبسوا عن الجنة لمعصية آبائهم.
وقال آخرون إنهم قوم رضى الله عنهم أحد الأبوين دون الآخر.. يحسبون على الأعراف حتى يقضى الله بين الناس ثم يدخلهم الجنة.
وقيل إنهم أطفال المشركين.. وقيل إنهم من أولو الفضل من المؤمنين علوا على الأعراف يتطلعون على أهل النار وأهل الجنة جميعا.. والله أعلم.
وأهل الأعراف.. مثال على ما اشتملته السورة الكريمة من تحذير وإنذار أو صراع بين الخير والشر، وجزاء الجنة للمؤمنين الصالحين، وعقاب النار للكافرين الذين صدوا عن سبيل الله.
فقد ذكرت فى بدايتها سؤال رب العزة لإبليس عن عدم سجوده لآدم، وقد أمره بذلك، فادعى الشيطان أنه خير منه لأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين، فكان جزاءه الطرد من الجنة، فطلب من ربه أن ينذره ليوم البعث ووعد بإغواء الخلق والوسوسة لهم إلا من رحمهم الله.
وأمر الله آدم وزوجته حواء أن يسكنا الجنة ونهاهما عن الأكل من شجرة منها، ولكن اللعين وسوس لهما، فكان جزاءهما الخروج منها والهبوط إلى الأرض – بعدما تاب عليهم ربهم – لإعمارها.
ولكن الله يخاطب أبناء آدم ويحذرهم فى أكثر من آية بالحذر من الشيطان ووسوسته (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).
وكذلك تروى السورة قصص الأنبياء والرسل، فتحكى ماذا فعل قوم نوح معه وسخريتهم به واستنكارهم لما يقوله أو يفعله (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِى الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ).
وقوم عاد وأخوهم هود الذى دعاهم إلى عبادة الله وأن يتقوا، ولكنهم وصفوه بالسفاهة والكذب، وجادلوه فى أشياء ووقائع سموها هم وآبائهم بأسماء لم ينزل الله بها من سلطان (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ).
وقوم ثمود وأخوهم صالح، الذى أتى لهم بآية من ربهم وهى الناقة فذبحوها وتحدوه، فأخذتهم الرجفة وقضى عليهم (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ).
وقوم لوط الذين أتو بفاحشة لم يأتى بها قوم من قبلهم، حيث كانوا يأتون الرجال شهوة عن النساء.. وهذا مخالف لشريعة الله وسنة رسوله الكريم (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
وأهل مدين وأخاهم شعيب الذى طردوه ومن معه من قريتهم، فتولى عنهم وأخذتهم الرجفة فاصبحوا فى ديارهم جاثمين (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ).
ونختم بتوجيه الله لنبيه الكريم بعد أن نص عليه أخبار الأمم السابقة (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِى نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ).