حمدي رزق
«فتنة التكوين» اتسع الخرقُ على الراقعْ!
تلقيت تعقيبا على مقال «فتنة تكوين» من الشاعر الكبير «رمزى حلمى لوقا»، يطالب بدور للأزهر فى مجابهة الفكر بالفكر..
يقول: ربما لسنا فى حاجة لـ«تكوين» بل لمائة ألف تكوين، فى كافة النواحى الفكرية والثقافية والاجتماعية، ربما أصحاب هذا الفكر قد طالهم ما طالهم من استخدامهم الغلظة والشطط سبيلًا لعرض أفكارهم والتى أحدثوا بها صدمةً فكريةً بدت لأول وهلة تجرؤًا وتطاولًا على الثوابت الدينية، وخاصة مع مواكبتها لانتشار موجة من الإلحادـ الذى لا يكتفى بالوجود السرى بل أعطى لنفسه حرية التواجد العلنى التهكمى الوقح ـ ومهاجمة الأديان وهم أفرادـ غُلاة الملحدين ـ لا يمتلكون الوزن المعرفى ولا الفكرى ليؤهلهم لهذا الدور الذى يرونه دورًا تنويريًا.
هؤلاء الذين لا يمتلكون إلا بعض العلوم القشرية السطحية الساذجة، حتى إن معظم أطروحاتهم تتصف بعدم المعقولية وبها تعسفٌ واضحٌ فى الفهم لكثير من المفاهيم، وبها خلط للأوراق وقفز على البديهيات، وهذا ما جعل البعض يصنف هذا «المنتدى» كمركز أريد به أن يكون مركزًا من مراكز الإلحاد فى الوطن العربى.
نحن فى زمن انتشرت فيه ظاهرة المتاجرة بالدين ولوى أعناق الحقائق العلمية والمنطق العلمى التجريبى والمسلمات من أجل استثارة بعض العواطف الدينية الطفولية، فما زال هناك من يحاول إقناع العامة بأن الأرض مسطحةـ لاعتقاد البعض أن الأديان تنادى بذلك ـ والغريب أن هذه المقولة العبثية تخرج من علماء من كافة بقاع الأرض شرقه وغربه.
وقد وصل العبث أن يتحدى أحد المثقفين المجتمع العلمى والثقافى فى إثبات أن الأرض مسطحة، وفى أنها مركز الكون وأنها ثابتة وأن الكواكب هى التى تدور حولها أو فوقها، لست أدرى كيف يتخيل هو الأمر.
وأتذكر طرح أحد علماء اللغة على صفحته الشخصية فكرة اقتناعه بنظرية التطور لداروين، وكم لاقى الرجل من تجريح وتكفير واستهزاء من عدد كبير من الشعراء والكتاب والمثقفين، مع أن عددًا منهم ـ وهذا هو المثير فى الأمرـ من خلفية علمية.
المشكلة الحقيقية أن هناك من لا يستطيع إلا أن يعتمد على كتب التراث ـ التى كانت فى حينها هى المصدر الوحيد للمعرفة ـ فإن سألت أحدهم عن شىء ما ستجده لا يثق فى العلوم الحديثة التى هى أقرب ما يكون للحقيقة وأكثرها استيعابًا لمنطق الأشياء وأكثرها استخدامًا لفرضيات تحولت مع الوقت والتجربة إلى مسلمات علمية لا سبيل لدحضها.
وسوف يعود للتراث للإجابة عن سؤال حداثى ربما لم يكن له نظير فى الأزمان السابقة.
نحن ننكفئ على الماضى بصورة تدعو للشفقة وندخل فى جدل عقيم لا نخرج منه إلا مقطعى الملابس مهوشى الشعر، دون أن نحسم مسألة جدالية أو نبلور وجهة نظرٍ أقرب للحقيقة. بل نخرج وقد اتسعت المسافات بين الفرضية والأخرى اتساعًا لا سبيل لرتقه.
علينا أن نقبل الفكر والفكر المضاد ونتجادل بالتى هى أحسن، وعلينا أن ننحى الخرافة، وعلينا أن نحترم العلم، وعلينا ألا نستخدم أو نستغل الدين استغلالا عاطفيا أو نتربح منه ماديًا أو معنويًا.
وعلى الأزهر أن يتخذ دوره فى مجابهة الفكر بالفكر بعد أن يحسم داخليا بعض المسائل التى قد يختلفون فيها على الملأ، فهو الجهة الأكثر قدرة على إبداء الرأى، والأكثر تأثيرًا فى المحيط العربى والإسلامى، وهو الجهة الأكثر علمًا وانفتاحًا ومواكبة للعصر بكافة وسائله التكنولوجية والعلمية الحديثة، ورجالاته لهم من العلم الغزير والأدوات التى تؤهلهم لمواجهة كل الأفكار الظلامية أو الشاذة.