حمدي رزق
طُوبَى للشهداء..
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر.. وتذكر أبناءك على الحدود الملتهبة، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، جند مجندة فى حب الوطن، تقف زنهار على الحدود. رابصون رابضون، لا تغمض لهم عين، يقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم فيهم: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله». فَصَلِّ لِرَبِّكَ.. وتذكر من يقف فى خدمة وطنه فى نقطة نائية فى صحراء قاسية على الحدود، قائم يحرس فى سبيل الله.
تذكروا جميعًا فى العيد الكبير (عيد الأضحية) أن هناك شهداء أحياء، ضحوا بأرواحهم عزيزة فداء لوطن يستحق الخلود.. فَطُوبَى للشهداء، وطُوبَى فى التنزيل العزيز: (الرعد آية 29)، (طُوبَى لَهُمْ): كل مستطاب فى الجنة من بقاء بلا فناءٍ، وعِزٍّ بلا زوال، وغنى بلا فقر..
لو تعلمون حجم التضحيات الجسام لخير أجناد الأرض لقبّلتم الأرض من تحت أقدامهم، بطول الحدود وعرض البلاد هناك جند مجندة من خيرة الأجناد، ينتظرون منكم الدعاء فى صلاة العيد.
كبروا وهللوا تصلهم تكبيراتكم، «صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده..».
ادعوا لهم بالثبات والرباط.. وبالنصر، ادعوا لهم صبيحة العيد المبارك، إنا استودعناهم أمانة، وسبحانك خير مؤتمن، سبحانك الصاحب والسند، تلهمهم صبرًا، وتؤتيهم عزمًا، اشدد من أزرهم، سبحانك خير معين يا أرحم الراحمين.
فى المعسكرات، والكتائب، والنقاط الحدودية الملتهبة تروى الألسنة بطولات وكأنها أساطير، كل ضباط هنا وحده أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة يتسابق إليها الأبطال فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودين.
صل لربك وانحر.. وقبل أن تتشكى من ضيق رزق، تمعن فى من يكتفى بلقيمات يقمن صلبه وشربة ماء وهو قائم يحرس فى سبيل الله، تذكروهم وصلوا من أجل مصر، كما صلى أبونا إبراهيم عليه السلام.. «وإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ» (البقرة / 126)
كنت جنديا مجندا فى صحراء جرداء، ومازلت جنديا مجندا فى بستان الوطن، وعشت ليالى وأياما فى معية الأبطال، وسجلت شهادات، وكان من التقيته أمس، أودعه اليوم، مفكرتى الصغيرة لاتزال تحوى أسماء أحياء شهداء، أو شهداء احياء، أعزهم الله بالشهادة وكتب لجندنا الثبات ولجيشنا النصر.
حزين على فراق الأحبة منهم، إن العين لتدمع والقلب ليحزن، مواكب الشهداء تتقاطع فى الكفور والقرى والمدن، تزفهم الزغاريد، يودعون الشهداء فى ثياب بيضاء..
وحزين على حالنا، نتلهى بالأعياد والأضاحى والاجتماعيات والحكايات، نتلهى بتريندات عن الحجر والشجر، وهناك بطولات وتضحيات من دم ولحم هى أولى بالحكى.
ننتحر اختلافًا على تويتة شاردة أو تغريدة شاذة، أو خبر وهمى موهوم، وهم على قلب رجل واحد فى مهمة وطنية..
نتباكى على علاوات وبورصات ومزايدات، وهم مرابطون على الحدود، «رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ» ( النور 37 ).
أخشى أننا صرنا لا نعتبر لشهادة الشهداء، ولا تهزنا تضحيات السمر الشداد، ولا نقف إجلالًا للموت وهو معدى، الموت مثل الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع.