حمدي رزق : حكمة «أحمد رجب» الباقية
نقلا عن الإخبار
مأثورة إمام الساخرين طيب الذكر الساخر العظيم أحمد رجب: أمدح وطنى ويشتمونى.. خَيْرٌ مليون مرة.. من أن أشتم وطنى ويمدحونى.. لازمة فى هذا التوقيت الذى يتكالبون تكالبا على قصعتها،
ويرومون قطعة من كتف الوطن. أستعيدها من ذاكرتى كل حين، وأقف على حروفها مليا، وأتمعن عمق الفكرة، ووطنية المعنى، والجسارة فى الذود عن الحياض المقدسة، والتضحية من أجل وطن يستحق الفداء.
أتذكر مأثوراته، كلما جن علينا ليل الفتنة البهيم، يهيم فيه البعض على وجهه، ويغرد فيه البعض خارج السرب الوطنى بحثا عن مصلحة شخصية وقتية على حساب وطنه، ويتماهى فيه البعض مع أعداء وطنه، وينشب فيه البعض أظفاره الطويلة فى عنق وطنه، طلبا لمصلحة زائلة ستزول بزوال المؤثر (المصلحة العابرة)،
والحكمة تقول خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولى الوطن (بدموع لطفى بوشناق). الذاكرة تستدعى بيت شعر ذائع لأمير الشعراء أحمد شوقى من قصيدته المعروفة بسينية أحمد شوقى يقول: أحرام على بلابله الدوح.. حلال للطير من كل جنس؟. أمير الشعراء شوقى كما الساخر الجميل أحمد رجب كانا يردان عن المحبين لوطنهم غلو الرافضين، تلطفا لا أقول الكارهين،
فإذا ما ارتأى كاتب فى وطنه جمالا، وعبر عنه امتنانا، وكأنه ارتكب الكبيرة، سحلوه، جلدوه، صلبوه على حوائط الفيس.اكتب محبا لوطنك، ستتحول من فورك إلى لوحة نيشان، هدفا لسهام مسمومة، زبانية الإخوان والتابعين يرهبون الوطنيين، ويقصفون رءوس المحبين، ويقيمون محاكم تفتيش فى النوايا، إنت بتقول وطن.. ويلك ويلك على طريقة الريحانى رحمة الله عليه.
لو خشى كل مفكر أو كاتب أو فنان أو أديب من مغبة ما يعبر عنه محبا لوطنه لكانت خسارة فادحة ، نخسر الجلد والسقط، ولاحتل الفضاء الوطنى من يعتمل ثأرا ، ولخلت لهم الساحة الخلفية يمرحون فيها ويلعبون على جثة الوطن. لو كان الساخر الكبير أحمد رجب بيننا، لخرج علينا محفزا بمأثورته، أمدح وطنى ويشتمونى..، ولمدح وطنه كثيرا، ووقف فى ظهر وطنه مرابطا، وذب بقلمه الذباب الإلكترونى عن وجه الوطن الجميل.
الخشية من الكتائب الإلكترونية الموجهة، تورثنا قعودا عن خوض معركة الوعى، معركة كتبت علينا، معلوم الجندى يدافع عن الحدود بسلاحه، والكاتب يذود بقلمه، والمفكر بفكره، والعامل بعرقه، والفلاح فى حقله، والمعلم فى فصله، وووو، وكل محب عليه أن يصف فى الصف الوطنى مدافعا عن الحياض المقدسة، يصف فى الصف،
وكما أوصانا النبى الكريم أَقِيمُوا الصُّفُوفَ «وَحَاذُوا بَينَ المنَاكِب، وسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ، وَلا تَذَرُوا فَرُجَاتٍ للشيْطانِ». اختلف ماشئت حول الأولويات، والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود الوطنى قضية ، ولكن لا خلاف حول مقاصد الوطن العليا، على صون الوطن من مهددات وجودية عاتية تحركها أجهزة استخباراتية تروم فتن الشعب من حول القيادة..
طنين الذباب الإلكترونى يصم الآذان.. حذار من الشيطان يتربص بنا الدوائر. المنهج العاقل الراشد مؤداه رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، وهذه منسوبة للإمام الشافعى، وهناك أخرى منقولة عن الفيلسوف الفرنسى فولتير تقول «قد أختلف معك فى الرأى، ولكنى مستعد أن أدفع حياتى ثمنا لحقك فى التعبير عن رأيك».
مثل هذه القواعد الحوارية للأسف مفتقدة فى الحوار المجتمعى، وأكثر وضوحا بين النخب المسيسة، حوارات النخب ملؤها الترهيب، والتخوين، آفة حارتنا التخوين، وهكذا تتناثر الاتهامات كمياه النار، حارقة تشوى الوجوه. لم تبرأ الساحة الحوارية الوطنية من أمراضها المزمنة والسارية، الاغتيالات المعنوية سائدة ، فزاعة لكل صاحب رأى يعتقده صوابا، وتجرأ وأعلنه على الناس. نهج قنوات الإخوان العقورة نفسه فى إشانة سمعة المتصدين لكذبهم البواح..
يرهبون الموالين وحتى المعارضين يسلقونهم فضائيا وإلكترونيًا بألسنة حداد! حديث الإفك يسرى، الاستهدافات صارت مشاعا، والكل مستهدف، بتهمة جزافية ، كالقنبلة القذرة تطلق فى أثرٍ كل من يفكر مجرد التفكير فى الإشارة لمنجز، أو لمعلم، أو لقرار يرتجى منه نفعا، فيخر صريعا فى الفضاء الإلكترونى ويتجمع عليه الذباب الأسود.