حمدي رزق
اجتماعهم رحمة..
اجتماع مائة ونيف من المفتين من حول العالم فى القاهرة، صباح اليوم (الاثنين)، وغدًا الثلاثاء، اجتماعهم رحمة، وفيه منافع للناس.
مراجعة ملفات ومحاور المؤتمر العالمى التاسع الذى تنظمه الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، ويحمل عنوان «الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع» تؤكد ما ذهبنا إليه فى العنوان أعلاه.
ابتداء، يلفتنا إلى الدور الريادى الذى تضطلع به «دار الإفتاء المصرية» فى جمع شتات الفتوى حول العالم، المؤتمر بدورية انعقاده يؤصّل لفكرة القاهرة «عاصمة الفتوى».
يستهدف تجسير الهوة الإفتائية بين شرق العالم وغربه، وفى القلب منه العالم الإسلامى، ويضبط البوصلة الإفتائية تجاه الوسطية والاعتدال والتيسير، من عناوين المؤسسة الدينية المصرية العريقة وعَلَمها الأزهر الشريف.
اجتماعهم رحمة بالعالم، يقطع الطريق على الظلاميين المتبضعين بالفتوى، والمتطرفين العاملين عليها، الإرهابيون لهم فيها (فى الفتوى) مآرب أخرى.. مثل هذه المؤتمرات تجيب عن سؤال: مَن له حق الفتوى.. ومَن يتصدى للإفتاء؟!.
استدامة مثل هذه الاجتماعات على موعدها المضروب سنويًّا تقلل من الفاقد الإفتائى العالمى، وتزيد الغلة من الفائدة المضافة، إذا اجتمع المفتون كان خيرًا، هرمنا على قاعدة (اختلافهم رحمة)، وأخيرًا يمكن القول
(اجتماعهم رحمة)، وتواصل، وتعاضد، وتعاونوا على البر والتقوى.
مثل هذه البناية الإفتائية التى تؤسس لها «دار الإفتاء» تحت رعاية مفتى الجمهورية العلامة الدكتور «شوقى علام»، تأتى على وقتها كما يقولون، العالم متسارع، ونحن نلهث وراءه، والوقت كالسيف يقطعنا، ليس هذا وقت القعود والعالم يركض بعيدًا.
الفتاوى الموروثة لم تعد تلبى الإجابات الشرعية عن المسائل المستجدة الآنية التى تفرض نفسها تحديات على صانع الفتوى (المفتى)، متفق عليه، تختلف الفتوى باختلاف الجهات الأربع: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
ولا يُنبئك مثل خبير، يخبرنا المفتى «علام»، لم تعد الفتوى يسيرة، على طريقة أفتِ يا مفتٍ، الفتوى صارت صناعة ثقيلة، ولا يضطلع بأعبائها إلا الراسخون فى العلم.
كيف يؤدى المفتى فروضه الإفتائية الآنية دون علم متجدد بمستجدات العلم، وكيف تتناغم الفتوى مع التسارع العالمى علميًّا، الفتوى فى زمن الروبوت يقينًا تختلف، والقاعدة القرآنية «وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا»، (الإسراء: ٨٥).
إنا هاهنا قاعدون، حديث قوم قعدوا عن إدراك الرسالة، أخشى أن قعود المفتين عن مهمتهم الجليلة، وتوليهم يوم الزحف العلمى، يُمكِّن الظلاميين من ناصية الفتوى، ويفتح الفضاء الإلكترونى لفتاوى جاهلة بالعلم، شاذة الفكر، تُصادِم قاعدة قرآنية ثابتة، بالتفكر والتدبر والتعقل، تصادم عالَم يذهب سريعًا نحو المستقبل بآليات وسرعات تجاوز الفيمتو ثانية.
أهمية المؤتمر التاسع للفتوى ليست فى انعقاده دوريًّا فحسب، ولا فى مستوى الحضور رفيع المستوى من المفتين والعاملين عليها، بل فى خطورة المرحلة التى ينعقد فيها، ويتعاطى معها، المعنونة بثورة الذكاء الصناعى وتجلياتها، التى يخيل للبعض أنها تصدم الأديان، وتتجاوزها، تحلق فى سموات بعيدة، والفتوى لا تزال تسعى على الأرض.
تجليس مخرجات ثورة الذكاء الصناعى وتفاعلاتها الحياتية على منضدة بحثية فقهية، فى اجتهاد علمى لا يخاصم عقلًا، والاشتباك مع هذه الطفرة البشرية بعقول منفتحة على جديد العلم والاختراع بإحاطة متعقلة، يوفر مناخات طيبة للتعاطى الدينى مع ظواهر العلم، دون إنكار أو حكم مسبق، وهذا مؤدَّى المؤتمر العالمى التاسع للفتوى ورسالته.