الدكتورة خديجة حمودة :
زمن الحروب اللامعقولة
فى الكليات والمعاهد العسكرية والكليات المدنية، يدرس الطلاب على جميع المستويات التاريخ العسكرى القديم والحديث، ولا تتوقف دراسته على المستوى الجامعى فقط، ففى المدارس الابتدائية والمراحل التى تليها تتضمن المناهج الدراسية ذلك التاريخ منذ عصر الفراعنة والحروب الإسلامية ومحاولات غزو مصر التى تعرضت لها فى كثير من المراحل والاحتلال الإنجليزى والثورات التى قامت من أجل الحرية والتحرير فى العالم.
وكلما انتهى عقدٌ وانتقلنا للآخر، يمكن حصر الحروب التى خاضتها مصر بل والعالم كله ويمكن إطلاق اسم عليها يناسب أسبابها وأحداثها، والمناطق التى نشبت فيها وخسائرها التى تكبدتها البشرية والدول وأثرت على عجلة التقدم والتنمية،
بل إن هناك أجيالاً كاملة اندثرت فى بعض البلدان وتحولت إلى أسماء تاريخية فقط لم يبق منها إلا حروف متشابكة وألقاب فقط، وقد ذُكر فى دراسة منشورة بإحدى الدوريات العلمية أن أول حرب قبل التاريخ المسجل حدثت فى منطقة تقع ضمن حدود العالم العربى اليوم، وتم التعرف عليها من خلال الحفريات التى وُجدت فى منطقة الصحابة الواقعة على حدود السودان الشمالية مع مصر.
وجديرٌ بالذكر أن هذا الموقع غارق حالياً تحت بحيرة ناصر الصناعية، وقد اكتشفه عالم الآثار الأمريكى فريد ويندروف عام 1964 فى أحدث تحليل للهياكل العظمية الـ61 التى عُثر عليها فى الموقع، حيث وجد أنه من المرجح أن المنطقة لم تشهد فقط أول حرب حقيقية فى تاريخ البشر ولكنها كانت أيضاً منطقة صراعات عنيفة متكررة واستُدل على ذلك من خلال الجروح العديدة فى العظام والتى كان بعضها حديثاً قبل الموت مباشرة وبعضها أقل حداثة قد شفيت بالفعل.
ومن المرجح طبقاً لما سجله عالم الآثار الأمريكى أن تكون هذه المعارك المتتالية نتاج تغيرات مناخية وبيئية حدثت فى تلك المنطقة فى نهاية العصر الحجرى القديم منذ حوالى 13 ألف عام. وقد سبق هذه الحرب بعض المناوشات على نطاق أصغر سجلتها الرسومات الجدارية البدائية على جدران الكهوف التى تركتها الحضارات الأورينياسية (Aurignacian) والبيريغوردية (Perigordian) والتى احتلت غرب أوروبا قبل 30 ألف عام وتمثل الرسومات أناساً تخترق السهام أجسادهم.
وقد سجلت الموسوعات أرقاماً غريبة وبعضها لا يصدق، كما أن بعضها طريف كتلك التى ذُكرت فى موسوعة (بريتانيكا) عن أقصر حرب فى التاريخ المسجل، حيث بلغت 40 دقيقة فقط وهى الحرب الإنجليزية الزنجبارية التى وقعت فى 27 أغسطس عام 1896 وكان هذا الصراع بين الإمبراطورية البريطانية وقتها وسلطة زنجبار فى الجزء الشرقى من قارة أفريقيا.
كما أن هناك حروباً تدخل فى تصنيف أطول الحروب، ومنها حرب الأفيون التى توصف بأنها واحدة من أطول الحروب فى العصور الحديثة على الإطلاق بدأت لأول مرة عام 1839 وانتهت بعد ما يقرب من 5 عقود إذ انضمت فيها فرنسا إلى جانب بريطانيا ضد الصين، وكان السبب الرئيسى دون شك استعمارى، ولكن ذريعة دخول الحرب هو محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون ما جعل بريطانيا تشن الحرب لما كانت تجنيه من أرباح كبيرة من تجارة الأفيون فى الصين.
وفى قائمة لأطول الحروب فى التاريخ كان على رأسها حرب سقوط الأندلس وهى الحرب التى أطلق عليها حروب الاسترداد من قبل البرتغاليين والإسبان، وقد بدأت عام 711 واستمرت حتى 781، أما الحروب الأنجلو فرنسية فقد استمرت ما يقرب من 706 أعوام وجاءت حرب الروم والفرس منذ عام 54 قبل الميلاد وحتى 628 ميلادى وهو ما يعنى أنها دامت 681 عاماً، والحروب الإسلامية البيزنطية والحروب الروسية الأوكرانية وكذلك الحروب البيزنطية العربية.
وفى تصنيف الحروب الأكثر دموية فى التاريخ، احتلت الحرب العالمية الثانية المرتبة الأولى حيث بلغ عدد القتلى الذين خلفتهم هذه الحرب 85 مليون نسمة، وفى المرتبة الثانية كانت غزوات وفتوحات المغول التى خلَّفت ما يقرب من 55 مليون ضحية، وقد شهد التاريخ هذه الحروب خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادى.
ومن ضمن الحروب اللامعقولة حرب طروادة وهى من الحروب الخالدة فى التاريخ، حيث خلَّدتها ملحمة هوميروس – الإلياذة، ويعتقد أنها وقعت بين عامى 1270 و1180 ق م حيث حاصر الإغريق مدينة طروادة وأهلها واستمرت الحرب 10 سنوات لأسباب تافهة وقصة كانت بطلتها سيدة تدعى هيلين، أما حرب البسوس فقد وصفت بأنها كانت حرباً شنعاء بين قبيلتين فى نجد بالجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام واستمرت لنحو أربعة عقود سُفِكَت فيها دماء ونُهِبت أراضٍ وممتلكات بسبب قتل ناقة واستمرت سلسلة الهجمات بين القبيلتين وقتاً طويلاً.