سامي عمارة
كاتب وصحافي
هل لا تبالي موسكو بالانتخابات الأميركية حقا؟
بوتين قال إنه لا يعتقد أن سياسة الولايات المتحدة ستتغير وسيعمل مع أي رئيس يختاره شعبها
بوتين قال في أكثر من مناسبة إنه سيتعامل مع أي رئيس يختاره الشعب الأميركي (أ ف ب)
ملخص
كشف بوتين عن موقفه الرسمي من الانتخابات الأميركية في أكثر من مناسبة منذ توليه سدة السلطة في الكرملين في مطلع القرن الجاري، وظل يكرر أن روسيا ستتعامل مع من ينتخبه الشعب الأميركي مؤكداً رفضه تدخل بلاده في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
عادت الإدارة الأميركية إلى سابق اتهاماتها للسلطات الروسية منذ عام 2016 بالتدخل في الانتخابات الأميركية، إذ ذكرت وكالة “رويترز” أن المسؤولين الأميركيين قالوا إن موسكو تستخدم بعض الشركات الروسية للتأثير في الرأي العام في الولايات المتحدة. ونقلت الوكالة عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية أن روسيا والصين وإيران تحاول التأثير في نتيجة الانتخابات المقبلة لرئيس البيت الأبيض، بما في ذلك من خلال شركات التسويق والاتصالات.
كما ذكر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي في جلسة استماع في مجلس النواب الأميركي أن الحكومة الروسية “لا تزال ترغب في التأثير والتدخل بطرق مختلفة” في العملية الانتخابية الأميركية.
وكانت واشنطن وجهت اتهاماتها كثيراً إلى موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في عام 2016 التي حقق فيها دونالد ترمب الفوز على منافسته هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي. وعاد الرئيس الأميركي السابق ليقول في أبريل (نيسان) 2024، إن “الديمقراطيين دفعوا ملايين الدولارات لاتهامه بالعلاقات مع روسيا”.
رد الجانب الروسي
وفيما وصف السفير الروسي لدى الولايات المتحدة الأميركية أناتولي أنطونوف هذه الاتهامات بأنها محاولة لصرف الانتباه عن التناقضات في الولايات المتحدة، ولعب بالبطاقة الروسية لتبرير إخفاقاته، سارعت مصادر الكرملين إلى دحض هذه الاتهامات ووصفها بأنها “سخيفة”. وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن بلاده لم تتدخل أبداً ولن تتدخل في العمليات السياسية الداخلية للولايات المتحدة، وإن أشار إلى أن موسكو تتابع من كثب ما يحدث هناك، إذ يجري الحديث عن أكبر اقتصاد في العالم وبلد بموازنة عسكرية كبيرة.
وقال في حديثه إلى الصحافيين، إن “مجتمع الاستخبارات الأميركي يستسلم للاتجاهات العصرية في السياسة الداخلية، لأسباب تعود إلى حاجتهم إلى البحث عن أعداء”. وأضاف، “لا يمكن للأميركيين التفكير في عدو أفضل من روسيا”.
وفيما أشار الناطق باسم الكرملين إلى توقعاته حول ظهور مثل هذه التصريحات الأميركية، نظراً إلى أن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين هما العاملان اللذان يستغلهما أكبر حزبين أميركيين في الصراع السياسي في الولايات المتحدة، أعرب عن أسفه لأن موسكو اضطرت إلى مواجهة مثل هذا الوضع كأمر مسلم به. وأكد بيسكوف أن مثل هذه الأعمال التي يتخذها السياسيون الأميركيون تلحق الضرر بالعلاقات الروسية الأميركية. وأعاد إلى الأذهان ما خلصت إليه لجان التحقيق الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية من استنتاجات مفادها أنه لا يوجد تأثير في العمليات الانتخابية.
موقف بوتين من المرشحين الأميركيين
وكشف الرئيس بوتين عن موقفه الرسمي من الانتخابات الأميركية في أكثر من مناسبة منذ توليه سدة السلطة في الكرملين في مطلع القرن الجاري. وعلى رغم احتدام الصراع السياسي بين البلدين منذ ما بعد خطابه الشهير في مؤتمر الأمن الأوروبي عام 2007 وإعلانه عن رفضه لعالم القطب الواحد وانفراد “قوة بعينها بالقرار الدولي وتجاهلها للأمم المتحدة والشرعية الدولية”، ظل بوتين يكرر أن روسيا ستتعامل مع من ينتخبه الشعب الأميركي، مؤكداً رفضه تدخل بلاده في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
وكان الرئيس بوتين في حديثه مع رؤساء تحرير عدد من وكالات الأنباء والصحف العالمية على هامش الدورة الأخيرة لمنتدى سان بطرسبورغ في يونيو (حزيران) الماضي، استبعد حدوث تغييرات بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. وقال إن “روسيا لا تعتقد أن أي شيء سيتغير في سياسة الولايات المتحدة بعد الانتخابات”. وأضاف، “بالنسبة إلينا، فإن النتيجة النهائية لا تهم كثيراً، وسنعمل مع أي رئيس منتخب”. منوهاً بأن روسيا لا تهتم بمن تعمل معه بعد الانتخابات الأميركية.
أما عن موقف الكرملين من نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس المرشحة عن الحزب الديمقراطي بديلاً اضطرارياً لجو بايدن، فقد وصف الناطق الرسمي تصريحاتها تجاه روسيا بأنها “غير ودية”. وقال بيسكوف، “كانت لها بعض التصريحات المليئة بالخطابات غير الودية تجاه بلادنا، ولم نسجل أي إجراءات أخرى في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بعلامة زائد أو ناقص حتى الآن”.
وعن تقدير الكرملين لهاريس، قال بيسكوف، إن إدارة الرئيس بوتين “لا تستطيع حالياً إعطاء مثل هذا التقييم، لأنه حتى الآن، لم نلحظ لها أي مساهمة في العلاقات الثنائية”. وعما إذا كان اتصال جرى مع كامالا هاريس قال بيسكوف، “لا يمكنني أن أتذكر الآن. عندما كان الاجتماع مع بايدن، لا، لم تكن السيدة هاريس في جنيف. لا أستطيع، بصراحة، أن أتذكر اتصالاً واحداً جرى بين الرئيس بوتين والسيدة هاريس”. وأكد بيسكوف، أنه “على رغم أننا نتحدث عن حملة انتخابية في واحدة من أكبر الدول في العالم، إلا أن هذا لا يمكن أن يكون موضوعاً ذا أولوية” في أجندة الكرملين.
الموقف من ترمب
وفي ما يتعلق بالموقف من المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة دونالد ترمب، فقال إنه ومن موقعه بوصفه رئيساً للولايات المتحدة بدأ في فرض عدد من العقوبات التي وصفها بوتين بـ”الهائلة” ضد روسيا. كما أن واشنطن أعلنت خلال ولايته عن انسحابها من معاهدة تقليص القوات النووية متوسطة المدى، على رغم كل ما ووجه به ترمب من اتهامات، وكأنه مؤيد لعلاقات بلاده مع روسيا.
وكان بوتين وصف ذلك الاتهام بأنه “محض هراء كامل، وعنصر من عناصر الصراع السياسي الداخلي” في الولايات المتحدة نفسها. كما أن روسيا كشفت أكثر من مرة عن أن ترمب اتخذ في عهده أكبر عدد من العقوبات المضادة لروسيا على مدى كل تاريخ العلاقات بين البلدين.
وخلص الرئيس بوتين إلى القول، إن “روسيا لا تعتقد في أن أي شيء سيتغير في سياسة الولايات المتحدة بعد الانتخابات. وليس لدينا يقين في ذلك”. وأضاف، “نعتقد أنه لن يحدث شيء خطر جداً في واقع الأمر”.
أما عن الموقف من الأزمة الأوكرانية التي تعلم موسكو أن مفاتيح الخلاص منها في واشنطن والبيت الأبيض، وليست بأي حال من الأحوال في العاصمة كييف، فقد سبق وأعلنت في أكثر من مناسبة عن استعدادها للحوار. كما قال الرئيس بوتين إن “روسيا تسعى دائماً من أجل السلام ومستعدة للجلوس إلى مائدة المفاوضات”، لكنه ربط ذلك بما قاله حول أن “هذا سيصبح ممكناً عندما تسحب كييف قواتها من المناطق الروسية، وتتخلى رسمياً عن نياتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي”.
وماذا عن رأي بوتين
كان الرئيس بوتين سبق وأشار إلى أن الأميركيين وبسبب الصراع السياسي المحلي في “يحرقون أنفسهم ودولتهم ونظامهم السياسي من الداخل”، وكذلك “قيادتهم الخيالية في مجال الديمقراطية”. وتناول الرئيس الروسي عدداً من الأحداث في الداخل الأميركي ومنها ملاحقة دونالد ترمب في المحاكم الأميركية بقوله “حسناً، من الواضح في جميع أنحاء العالم أن مقاضاة ترمب، وبخاصة في المحكمة، على أساس الأحداث التي وقعت قبل أعوام من دون أدلة مباشرة، هي ببساطة استخدام للنظام القضائي في سياق الصراع السياسي الداخلي مباشرة”.
وأضاف قوله، إن ذلك واضح بالنسبة لروسيا وكذلك للعالم. كما أنهم في الولايات المتحدة نفسها، يعتقدون في ذلك. وأردف قوله بارتفاع شعبية ترمب بنسبة ستة في المئة بعد قرار المحكمة الذي صدر عن هيئة المحلفين بأن ترمب “مذنب”. وقال إن ذلك، وبحسب اعتقاده تعبير عن أن الأميركيين “لا يصدقون النظام القضائي، لكن على العكس من ذلك يعتقدون أن القرار اتخذ لأسباب سياسية”.
وإذ قال بوتين إن واشنطن ترتكب الخطأ تلو الآخر في السياسة الدولية والمحلية، وكذلك في السياسة الاقتصادية، أكد أن موسكو تنظر إلى ما يدور في الولايات المتحدة من الخارج، ولم تتدخل أبداً في العمليات السياسية المحلية ولن تفعل ذلك. وخلص إلى القول، “بالنسبة إلينا، لا تهمنا النتيجة النهائية كثيراً، وسنعمل مع أي رئيس منتخب”.
مواقف الإعلام الروسي
غير أن ذلك لم يمنع الصحافة ووسائل الإعلام الروسية عن إشاراتها المباشرة وغير المباشرة إلى حقيقة مواقف روسيا تجاه كل من المرشحين الأميركيين، لكنها تفعل ذلك على نحو يتسم “بالدبلوماسية والحرص الشديد” تجاه مثل هذه المسألة، ربما تحسباً لتبعات التجاذبات السياسية للدوائر الأميركية والغربية وإغراقها في سابق اتهاماتها التي لم تتوقف حتى اليوم.
ورغماً عن ذلك، فإن وسائل الإعلام الروسية كثيراً ما تنشر تصوراتها في هذا الشأن نقلاً عن الداخل الأميركي، على غرار ما فعله الموقع الروسي الإلكتروني Lenta.ru الذي نقل عن المتخصص السياسي الأميركي رافائيل أوردوخانيان ما قاله حول إن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة قد تتغير في حالة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي “سبق وسمح برفع عدد من العقوبات ضد روسيا وحاول إقامة اتصالات معها”.
وأشار إلى أن الفرق الأساس بين ترمب والرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، هو أنه يعد الصين، وليس روسيا العدو الرئيس. وأوضح أوردوخانيان أن أنشطة بايدن ستهدف إلى المواجهة مع هذا البلد، وعلى العكس من ذلك، سيضعف العبء على العامل الروسي، لأنه من المستحيل القتال على جبهتين في وقت واحد. ومضى المتخصص السياسي الأميركي ليقول، إن نشاط دونالد ترمب سيسمح بمحاولات الولايات المتحدة لجذب روسيا إلى جانبه من خلال رفع العقوبات والإجراءات المختلفة، الرامية إلى التخفيف من حدة العقوبات المفروضة ضد روسيا التي قال إنه سيبحث إلغاء بعضها.
ولما كان من غير الممكن هزيمة روسيا في ساحة القتال، كشف أوردوخانيان عن احتمالات وجود مستشارين يمكن أن يطلعوا ترمب على ذلك، مما قد يبذل معه محاولة العثور على سبل مناسبة لبناء العلاقات بين البلدين على نحو مغاير. غير أنه قال بإمكانية بناء علاقات البلدين، وفقاً لقواعد وقوانين مختلفة تماماً. وقال إنه “بطبيعة الحال، نحن في حاجة إلى بناء العلاقات، لكن بعناية فائقة. ويجب ألا نفوت ما حققناه بالفعل”.