كيشيدا “صن”.. “أوتسكاري صمادشتا”
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
لقد كان عملا رائعا موفقا، هذه الجملة هي ترجمة تقريبية لتحية يابانية، نصها: “أوتسكاري صمادشتا”، يجري توجيهها -بأدب جم- إلى أي شخص أو أية جماعة في اليابان أو بالخارج، انتهت للتو من أداء مهمة عامة أو خاصة على أكمل وجه.
هذه التحية، “أوتسكاري صمادشتا”، وجب توجيهها إلى رئيس حكومة اليابان، كيشيدا فوميئو صن، وكلمة “صن” تعني السيد، في ضوء قرب الانتهاء من أداء مهامه، وبعد أن أمضى ثلاث سنوات، هي الأكثر إثارة في التاريخ الحديث لبلاده.
فور فوز كيشيدا صن بزعامة الحزب الحاكم في اليابان، أذكر أنني كتبت مقالا في “بوابة الأهرام” بتاريخ 4 أكتوبر 2021، بعنوان “ديك اليابان يفوز بحكمها”، أشرت فيه إلى أنه من مواليد برج الديك (1957 وفقا للأبراج الصينية) ومن أهم صفاته: قادرون على تحمل الصعاب، مسئولون ناجحون، يتميزون بدقة التفكير والاطلاع، يفرضون احترامهم على الآخرين، واضحون وقنوعون، وبارعون منظمون، أيضًا.
هذه الصفات الحميدة تنطبق على شخصية كيشيدا صن، تماما، بدليل: فوزه 9 مرات بمقعد في مجلس النواب عن دائرة هيروشيما، تولى منصبي وزير الخارجية والدفاع لمدة 5 سنوات (2012-2017)، رئاسة مجلس الأبحاث السياسية، لأطول مدة في تاريخ الحزب الياباني الحاكم، بالإضافة إلى انتمائه لعائلة من السياسيين، وارتباطه بصلة قرابة لرئيس حكومة ياباني أسبق، ميازوا كيتشي (1991-1993).
في يوم 29 يونيو الماضي، احتفل كيشيدا صن بمرور 1000 يوم على توليه منصب رئيس الحكومة، ليصبح الثامن بقائمة المتجاوزين لرقم الألف يوم في تاريخ اليابان الحديث. ويعد آبي شينزو أطول رئيس لمجلس وزراء اليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث أمضى 3188 يومًا، أي حوالي ثماني سنوات وثمانية أشهر بالمنصب، يليه ساتو إيساكو 2798 يوما، ويوشيداشيجيرو بـ 2616 يومًا.
في الوقت نفسه، اعتاد رؤساء الحزب الليبرالي الياباني- الذين يصبحون رؤساء لمجلس الوزراء- على البقاء بالمنصب لفترتين متتاليتين تمتد كل منهما لعامين فقط، وتم التمديد إلى ثلاث سنوات في أثناء عهد كويزومي جونئيتشيرو (2001-2006)، وزيادة الحد الأقصى إلى ثلاث فترات متتالية في عهد آبي (2006-2007، 2012-2020)، الذي جرى انتخابه -وحده- لولاية ثالثة، كرئيس للحزب الليبرالي.
خلال فترة ولايته رئيسا لمجلس الوزراء، أثبت كيشيدا عكس ما كان يتردد عنه بأن صورته العامة باهتة وغامضة، وقاد اليابان في مواجهة تحديات محلية وإقليمية ودولية هائلة، وسعى لإجراء إصلاحات جوهرية في السياسات الداخلية والخارجية.
داخليا: ووفقا لتحليل بعنوان نظرة على أداء رئيس مجلس الوزراء، نشره موقع نيبون دوت كوم للكاتب كوجا كو، فإن إدارة كيشيداسيتم وصفها بأنها إدارة قضت الكثير من وقتها في مواجهة المواقف الفوضوية المتعلقة بفصيل آبي: في عام 2022، اغتيال رئيس الحكومة آبي، وجنازته الرسمية، وفضيحة العلاقات بين أعضاء الحزب الليبرالي وكنيسة التوحيد، التي انفجرت في أعقاب مقتل آبي، ومن أواخر عام 2023 فصاعدًا، فضيحة الرشاوى التي هزت الحزب الحاكم.
يقول الكاتب: “خلال هذه الفترة، تولى كيشيدا زمام المبادرة في تنفيذ مجموعة من التدابير، بما في ذلك طلب إصدار أمر بحل كنيسة التوحيد، والتحركات لحل فصائل الحزب الحاكم، وظهوره أمام مجلس النواب للتشاور بشأن الأخلاق السياسية، وخفضه للمبلغ الذي يستلزم الكشف عن مشتريات تذاكر جمع التبرعات للحزب”.
أيضا على الصعيد المالي، “فضل كيشيدا تحقيق المزيد من التوازن في الميزانية، وسعى لمنح نفسه هالة سياسية جديدة من خلال “شكل الرأسمالية الجديد” الخاص به، مع التركيز على إعادة توزيع الثروة لإحياء الطبقة المتوسطة، التي تضررت بشدة من الانقسامات المتزايدة، التي أحدثتها الاتجاهات الرأسمالية العالمية”.
في مجال الأمن: يقول الكاتب كوجا كو: “اتخذ كيشيدا موقفًا سلميًا، وأشار إلى أن “ما يحدث في أوكرانيا اليوم قد يحدث في شرق آسيا غدًا”، وتحرك لزيادة الإنفاق الدفاعي الياباني وتجهيز القوات اليابانية بالقدرة على ضرب قواعد العدو في أوقات التهديد،كجزء من تعديلاته على وثائق سياسية رئيسية متعلقة بالدفاع.
وفيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي الياباني، أشار كيشيدا إلى استعداده للاعتماد على زيادات الضرائب لدفع جزء من العبء الأمني لليابان الذي يعد، على حد قوله: “مسئولية أولئك منا الذين يعيشون في هذه الأوقات”، وذلك لكي يقطع الطريق على أعضاء فصيل آبي في الحزب الليبرالي، الذين سعوا إلى دفع تكاليف الزيادات الدفاعية من خلال إصدار المزيد من سندات الحكومة اليابانية، وأيضًا لكي يكون دليلاً على تفانيه في الانضباط المالي، والذي التزم به حتى نهاية عام 2022”.
يختتم الكاتب: «في حين يمكن النظر إلى كل من هذه الخطوات باعتبارها تحسنًا على الطريقة التي كانت عليها الأمور، فإن أيًا منها لم ينتج عنه ارتفاع في الدعم الشعبي لحكومته، والسبب في ذلك هو أن تصرفات كيشيدا كانت تبدو باستمرار وكأنها وليدة اللحظة، بدلاً من أن ينظر إليها الجمهور باعتبارها دليلاً على المثل السياسية الراسخة التي يتبناها، ويمكن لإدارة كيشيدا أن تشير إلى بعض الإنجازات، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- فك الارتباط بسياسة التيسير النقدي اليابانية “ذات البعد المختلف”، والتحسن التاريخي في علاقات البلاد مع جارتها كوريا الجنوبية، ولكن مهمتها ستنتهي الشهر المقبل موصومة بفقدان الدعم الشعبي»!
أعود إلى التذكير بما كتبته في “بوابة الأهرام” بتاريخ 4 أكتوبر 2021، وما أبداه لي، وقتها، أحد الدبلوماسيين المصريين، المرموقين، بقوله: «كيشيدا أكثر أمريكاني من بين السياسيين اليابانيين، و”ملوش” في الشرق الأوسط».
بحكم الاقتراب من أداء كيشيدا صن على مدار السنوات الثلاثة الماضية، أزعم أن اليابان -بالرغم من كل القيود السياسية والأمنية التي تفرضها تحالفاتها الأمنية ومصالحها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة- سعت إلى إظهار قدر من التوازن والمرونة في علاقاتها الشرق-أوسطية، وسوف يؤرخ لـ كشيدا صن، أن فترة ولايته شهدت إقامة علاقة شراكة إستراتيجية شاملة بين مصر واليابان.
عقب القمة التي جمعته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في 30 أبريل من العام الماضي، 2023، وصف الزعيم الياباني الكبير مصر بأنها “شريك مهم لليابان”، حيث تلعب القاهرة دورًا مهمًا للسلام والاستقرار بالشرق الأوسط وإفريقيا، مشيرًا إلى تصميم بلاده على الاستمرار في دعم التنمية والازدهار بمصر وبالمنطقة ككل، لافتًا إلى التعاون المشترك فيما يتعلق بمشروع الخط الرابع لمترو أنفاق القاهرة، بالإضافة إلى مشاركة شركات يابانية في مشروعات توليد الكهرباء بطاقة الرياح، وكذلك في مجال التعليم، مشددًا على أن التنمية البشرية هي أساس ازدهار الدول.