عبد الفتاح الجبالي :
نحـو نظــام ضــريبي عــــادل وكفء
أعلنت الحكومة المصرية مؤخرا على لسان د. مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وأحمد كوجك وزير المالية عن فتح صفحة جديدة بين مصلحة الضرائب والممولين تقوم على أساس الشراكة والمساندة واليقين وتؤكد على أن الثقة هي أساس هذه العملية مع التركيز على المستقبل وليس الماضي.
وهي بداية جديدة لنظام ضريبي كفء وعادل وشامل يعالج الاختلالات الأساسية في الهيكل الضريبي القائم مما يساعد ويسهم في الإصلاح المالي المنشود. إذ تعتبر الإيرادات الضريبية من أهم العوامل المؤثرة على القدرات الإقتصادية للدولة، وذلك لما لها من تأثير واسع النطاق على أداء كافة القطاعات الفاعلة في المجتمع.
فبالإضافة إلى تأثيرها على مسار الاستثمار القومي بشقيه المحلي والأجنبي، فإنها تمثل عاملا أساسيا في تحديد قدرة الدولة على إدارة النشاط الاقتصادي وتحقيق الأهداف التنموية للبلاد. حيث توفر موارد مالية للدولة تستطيع استخدامها فى القيام بأدوارها المنوطة بها عبر الإنفاق العام.
وتكتسب السياسة الضريبية خصوصيتها من كونها إحدى أدوات السياسة المالية التي تمكن الدولة من تنفيذ سياساتها الإقتصادية والإجتماعية الهادفة إلى رفع مستوى معيشة ورفاهة المواطنين. كما أنها تعكس الموارد المالية المتاحة للحكومة والتي يمكن استخدامها في تمويل الخدمات العامة.
واستقر الفكر الإقتصادي والمالي الحديث على أن النظام الضريبي الكفء هو الذي يُساعد على إيجاد مناخ جيد للاستثمار، مع تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الضريبية، وتوفير الموارد المالية اللازمة لخزانة الدولة لتمويل الإنفاق العام. شريطة أن يتحقق ذلك في إطار من التنسيق والتناغم بحيث لا يطغى هدف على آخر.
وبالتالي فالسياسة الضريبية الكفء هي التي تتمكن من توليد زيادات في الإيرادات بما يتواكب مع النمو في الدخل الأسمى دون تغييرات متواترة في معدلات الضرائب أو إدخال ضرائب جديدة.
وهنا يرى خبراء الإقتصاد أن النظام الضريبي الجيد يجب أن يتسم بعدة سمات أساسية يأتي على رأسها الكفاءة، أى عدم إحداث أية اضطرابات في تخصيص الموارد، ولايؤثر بالسلب على حوافز الإنتاج والاستثمار والادخار والطاقات الإنتاجية.
وبالتالي يجب أن يراعى النظام الضريبي الملاءمة الزمنية لفرض الضرائب وكذلك الملاءمة المكانية.
والعدالة والتي تشير إلى توزيع العبء الضريبي على الأفراد والمشروعات توزيعاً عادلاً، أى تساوى عبء الضريبة على جميع دافعي الضرائب وبحسب طاقة الفرد على الدفع. ويرتبط بتحقيق العدالة الضريبية عدداً من المفاهيم والمبادئ الهامة، منها ومبدأ القدرة على الدفع ويعنى هذا المبدأ أن الأفراد يدفعون الضرائب وفقاً لقدرتهم على تحمل عبئها،
وينبثق عن هذا المبدأ مفهومان أساسيان مرتبطان بالعدالة، وهما العدالة الأفقية وتشير إلى معاملة جميع الممولين أصحاب المراكز المتماثلة معاملة متساوية، أي أن الممولين ذوي القدرة المتشابهة على الدفع يسهمون بنفس المقدار.
والعدالة الرأسية وتشير إلى معاملة الممولين الذين تختلف مراكزهم معاملة ضريبية مختلفة، فدافعو الضرائب ذوو الدخل الأكبر أو القدرة الأكبر على الدفع يجب أن يسهموا بمقدار أكبر من دخولهم عن الأقل دخلاً. أي أن العدالة الأفقية تحقق الإنصاف الضريبي بينما تحقق العدالة الرأسية العدل التوزيعي.
ويتطلب تقييم مدى العدالة الضريبية معرفة من يتحمل عبء الضرائب، فمن يتحمل عبء الضريبة ليس بالضرورة هو من يقوم بدفعها. فالضرائب تؤثر على المتعاملين المختلفين فى السوق وفقاً لمرونتهم النسبية. فكلما زادت المرونات السعرية للعرض أو الطلب، كلما زاد احتمال أن شخصا آخر سوف يتحمل عبء الضريبة غير الذي قام بدفعها.
فعند فرض ضريبة على الاستهلاك يختلف من يحتمل عبء الضريبة (المنتج أم المستهلك) وفقاً لمرونة الطلب والعرض على السلعة، كذلك عندما تفرض ضريبة على أرباح الشركات، فإن العبء قد لا يقع بالضرورة على مالكي الشركة وقد ينتقل جزء منه إلى عملائها أو العاملين بها.
ولهذا يجب أن يكون التشريع الضريبي واضحاً ليحقق للممول قدراً من اليقين، يمكنه من أن يعلم التزاماته الضريبية على نحو مؤكد، كما يُفضل أن تكون التعديلات فى القوانين الضريبية قليلة قدر الإمكان، تلافياً لما قد تحدثه كثرة التعديلات من ارتباك، سواء للممول أو الإدارة الضريبية.
كما يجب أن يتصف بالشفافية، وأن تكون قواعده واضحة ومفهومة، وقائمة على أسس قانونية، بحيث تكون واضحة الصياغة جيدة التعريف سهلة الفهم مستقرة.مع وجود وسيلة مستقلة وذات كفاءة لحل المنازعات مع السلطات الضريبية، بما يحقق الثقة والاحترام المتبادل بين الممولين والسلطات الضريبية.
كما يجب أن يتسم النظام الضريبي بالاتساق مع القوانين الأخرى للدولة والقواعد الدولية المتعارف عليها، حتى لا يؤثر سلباً على قرارات الاستثمار، ولا يعوق سير الأعمال، وأن يتمتع النظام الضريبي بالمرونة والاستجابة السريعة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة.
كما يجب ان يراعى الملاءمة اى يجب أن تُحصّل الضريبة فى الفترة وبالأسلوب الأكثر ملائمة للمكلف بالضريبة، بحيث يتمكن من أداء الضريبة المستحقة عليه بطريقة مناسبة وفى الوقت المناسب.
وهنا يتم التفرقة بين الجهد الضريبي وهو نسبة التحصيل الضريبي الفعلي إلى الإمكانات الضريبية التقديرية. وبين العبء الضريبي وهو إجمالي ما يتحمله الممول من ضرائب خلال فترة محددة. فكلما زاد الجهد الضريبي تضاءلت الفجوة بين التحصيل الضريبي الفعلي والإمكانات الضريبية التقديرية ويتوقف على مستوي النمو الاقتصادي للدولة ونمط توزيع الدخول في المجتمع. والقدرة الإدارية للأجهزة الحكومية.
تجدر الاشارة إلى الإنخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الإقتصاد القومي والضعف الشديد فى الطاقة الضريبة وهو ما يرجع إلى العديد من الأسباب منها محدودية المجتمع الضريبي إذ مازالت هناك العديد من الأنشطة والقطاعات التي لاتخضع للنظام الضريبي.
بالإضافة إلى اتساع نطاق القطاع غير الرسمي ناهيك عن ارتفاع نسبة التخلص من الضريبة إما عن طريق التهرب الضريبي أو عن طريق تجنب الضريبة وهو الذى يتم وفقا للقانون بينما يتمثل التهرب في مخالفة القانون والذي يتمثل في عدم التقدم بالإقرار الضريبي من الأساس رغبة في إخفاء النشاط وهو يعتبر جريمة في حق المجتمع يجب محاربتها بقوة.
لذلك فإن الإصلاح الضريبي الكفء يتطلب وضع خريطة شاملة للإصلاح مع الالتزام السياسي رفيع المستوى بها ومشاركة جميع الأطراف المعنية في وضعها والعمل على تبسيط النظام والإصلاح الإداري الشامل مما يساعد في بث الثقة لدى الممولين.