أحمد بكير
مدير تحرير الوفد
مخطي من يظن أنَّْ إسرائيل بضرباتها في لبنان، قد حققت نصرًا، أو أعجزت حزب الله. فحقيقة حزب الله لا يعلمها إلا قياداتِه، وما هو معلوم عن الحزب من تسليح واستعدادات و قدرات، هو تمامًا مايسمح الحزب به من معلومات للتداول.
وقد أُتيحَت لي فرصة زيارة مواقع لحزب الله في الجنوب اللبناني، ولقاء قياداته وبعض عناصره، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في أغسطس عام ٢٠٠٨. في تلك الزيارة المُرتَّبة ترتيباً دقيقا، لم أكن اتوقع ابدًا أنْ أرى مارأيت، رغم أنه قليلٌ جدًا، إلا أنَّهُ كان مُذهِلاً، ويفوق قدرة الكثيرين علي التخيل والتوقع.
في مواقع تمركز جنود الحزب في مارون الراس وبنت جبيل والعديسة ومرج عيون وصبرا وشتيلا، رأيتُ بعيني هذه المواقعَ وقد نحتوها نحتًا في بطون الجبال، وسمحوا لي ومن معي من مصر والسودان الجزائر والمغرب والأردن، أنْ ندخل أحد هذه المواقع، التي لا يخطر علي بال أحدِ أنْ تكونَ مُصممة ومُنفذة ومُجهزة للإعاشة، والاعداد للعمليات العسكرية، وإطلاق القذائف والصواريخ عل العدو المُحتل لمزارع شبعا اللبنانية، والشمال الفلسطين. زُرتُ ومن معي مواقع عمليات لاشتباكات مُباشِرة مع الإسرائيليين، في أماكن عديدة في قري الجنوب، واستمعنا لشرح مُفصَّل للتخطيط لإيقاع عناصر العدو بين انياب جنود المقاومة اللبنانية، في أكثر من نقطة ..
حزب الله يمتلك الكثير – فيما يبدو – من العتاد والأسلحة والخيرة. وقتها قال الشيخ نعيم قاسم – الرجل الثاني في الحزب بعد الشيخ حسن نصر الله – إنَّ الحزب يعكف علي “تصنيع” طائرات مُسَيَّرة تطير بدون طيار، وتضرب أهدافًا مُوجَّهة ومُحددة عن بُعد. ولأنَّ لقاءنا بالشيخ نعيم قاسم جاء بعد زيارة مواقع في الجنوب، فلم أندهش مما يعلنه عن ، “تصنيع” وإمتلاك طائرات مسيرة. وماشاهدته بعيني كان مقدمات توحي بقدرة حزب الله علي ذلك. في اللقاء كان الرجل حصيفًا دقيقًا مُرتباً، يبدو أنَّه يَزِن كلَ حرفٍ في كلماتِه، قبل أنْ يخرج من لسانه. ولعلَّ هذا أيضًا مالمسته من الحوار، في مدينة صيدا، مع الشيخ نبيل قاووق، نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، فكان هو الآخر دقيقًا متحفظًا وهو يتحدث عن حزب الله وقدراته.
الرحلة كانت مُرتَّبة ومُعد لها بدقة، وكل خطوة فيها كانت محسوبة.
وفي ليلة من ليالي إقامتنا في فندق موفنبيك بيروت، جاء أحدُهم ليصطحِبنا إلى مكان “ما” لنلتقي بشخص “ما”.. تجمَّعنا في احدي طرقات الفندق أنا وسليمان جودة من مصر، وآدم من السودان، وخديجة من الجزائر، وأحمد من المغرب. خرجنا من المخرج الخلفي للفندق، وركبنا سيارة ميني باص، زجاجُها مغطي بستائر سوداء تمنع رؤية الخارج، ويفصِلنا عن السائق ومرافقه، حاجز يمنعنا من رؤيتهما.
ويجلس معنا أحد العناصر يُجرى ويتلقى اتصالات لاسلكية مشفرة.. ٣٧ دقيقة كانت مُدَّة الرحلة، وهي مُدَّة لا تعبِّر عن المسافة بين الفندق و”المكان” الذي نُقِلنا إليه، وقد كان طابقاً تحت الارض، في بناية لم نعلم عدد طوابقها. أخذوا منا الهواتف والكاميرات والأقلام ، وأشار أحدُهم إلى مدخل المِصعد فركبنا جميعنا، ليتوقف في أحد الأدوار أمام صالة كبيرة، ينتظرنا فيها الشيخ نعيم قاسم نايب رئيس حزب الله.. قبل أي كلام ٱبلاغنا تحيات الشيخ حسن نصر الله، واعتذاره عن عدم لقائنا لظروف وصفها بأنها “طارئة”. في القاء مع الرجل أحسستُ أنى مع شخصية سياسية واعية، مُدرِكة تمامًا للأوضاع في لبنان والمنطقة وأيضا العالم. الرجل – من حديثه- يؤكد أنَّ رجال حزب الله ليسوا فقط من حاملي البنادق والقنابل، بل من حاملي الفكر والادراك الواعي.. فلا يَظُن أحدٌ أنَّ المقاومة اللبنانية قد كُسِرت شوكتها، بضربة هنا أو هناك، فما أكثر الضربات التى وجهها رجالُ المقاومة لجيش الاحتلال الاسرائيلى في الشمال و وأيضًا في العُمق.