عبد الفتاح الجبالي :
أربــــاح البنـــوك والخـزانـة العـــــامة
أعلن البنك الأهلى وبنك مصر، وهما من البنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة، وفقا للتعريف القانونى عن المؤشرات المالية للعام المالى المنتهى فى نهاية ديسمبر 2023 والتى أبرزت تحقيق نتائج أعمال جيدة. حيث حقق الأول صافى ربح قابل للتوزيع بلغ 70.7 مليار جنيه والثانى 60.8 مليار، نتيجة للإدارة المتميزة والكفء للبنكين ورغم الظروف الإقتصادية الصعبة وسياسة التشديد النقدى التى حملت البنوك ببعض الأعباء التمويلية.
ويبقى التساؤل كيف انعكس ذلك على المالك (الخزانة العامة)؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن أموال هذه البنوك مملوكة ملكية خاصة للدولة، وتعتبر وحدات مستقلة ذات شخصية اعتبارية ولها استقلالها المادى والإدارى بإعتبارها ذات طابع اقتصادى وفقا لقانون البنك المركزى والجهاز المصرفى رقم 194 لسنة 2020.
ولذلك فإن العلاقة بينها وبين الخزانة العامة للدولة بمثابة علاقة ملكية تتركز فى نتائج الأعمال وعلاقة تمويلية تتركز فيما تتيحه الموازنة العامة لتلك الجهات من دعم أو مساهمة أو قروض مباشرة وما يؤول إلى الموازنة العامة (الخزانة العامة) من حصة الدولة فى الأرباح.
كما توجد علاقة ائتمانية تتمثل فى القروض المعاد إقراضها لتلك الجهات من وزارة الخزانة العامة(حيث تكون وزارة المالية هى وسيط ما بين الجهة المقرضة والوحدة الإقتصادية، وتسدد وزارة المالية إلتزامات القرض قبل الجهة المقرضة، وعلى الجانب الآخر تتولى تحصيل التزامات القرض من الوحدة الإقتصادية المقترضة).وضمانات القروض التى تصدرها وزارة المالية لصالحها فى مواجهة الجهات المقرضة.
لهذا نظم القانون هذه العلاقة حيث نصت المادة 139 منه على انه «لا تشمل الموازنة العامة للدولة الموارد والإستخدامات الجارية والرأسمالية للبنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة» وأضافت «ويؤول صافى أرباح هذه البنوك للخزانة العامة للدولة بعد اقتطاع ما يتقرر تكوينه من احتياطيات أو حصة العاملين فى الأرباح أو غيرها من المتطلبات الرقابية الأخرى التى يفرضها البنك المركزى».
وهو ما ذهبت إليه المادة 4 فى تحديد العلاقة مع البنك المركزى إذ نصت على أن تكون زيادة رأسمال البنك المركزى بقرار من مجلس الادارة وذلك بتجنيب نسبة من الأرباح السنوية الصافية أو من الإحتياطيات أو بتمويل من الخزانة العامة مباشرة بموافقة وزير المالية.
ولايجوز أن تظهر حقوق الملكية بقيمة سالبة، وفى حالة حدوث ذلك، يتعين تغطيتها من الخزانة العامة للدولة خلال تسعين يوما من تاريخ إخطار وزير المالية وذلك بعد العرض على مجلس الوزراء خلال تلك المدة، وتكون التغطية اما نقدا أو فى صورة أدوات دين قابلة للتداول بأسعار العائد السائد بالسوق.
وهنا نلحظ انه على الرغم من الزيادات الكبيرة فى أرباح هذه البنوك فإن ما ذهب للخزانة العامة لم يتجاوز 4.3 مليار جنيه فى الختامى المبدئى للعام المالى 2023/2024 و3 مليارات فقط عام 2022/2023 بنسبة 3.3% من صافى الربح وهى مبالغ لم تعد تتناسب مع الأموال المستثمرة فيها من جهة، ومع ما تسهم به الموازنة فى هذه الجهات من جهة أخرى.
إذ جرت العادة أن تقرر الجمعيات العمومية لهذه البنوك توجيه حصة الخزانة العامة فى الأرباح إلى الإحتياطى التدعيمى حيث وجه البنك الأهلى نحو 50.7 مليار لهذا الغرض بعد تكوين الإحتياطى القانونى وحصة العاملين فى الأرباح.
وعلى الجانب الآخر يلاحظ أنه لم يتم تحصيل أى فائض من البنك المركزى منذ عام 2019/2020 فى إطار برامج الإصلاح المطبقة، وذلك رغم تحقيقه أرباحا بلغت 22.8 مليار نهاية يونيو 2024.
وقد يرى البعض انه ينبغى الإكتفاء بما تحصل عليه الدولة من ضرائب على هذه الكيانات فضلا عن مساهمتها فى المسئولية الإجتماعية،
وهذا القول غير صحيح على الاطلاق لأن الضرائب حق الدولة عن أرباح النشاط، وهو ما يختلف عن نصيب المالك فى الأرباح.أما القيام بتمويل العديد من الأنشطة الإجتماعية والثقافية بأموال طائلة بزعم المسئولية الإجتماعية وانهم خارج الموازنة،
فهذا يطرح تساؤلا أساسيا أيهما أجدى؟ هل من الأفضل تحويل الجزء الأكبر من الفائض إلى الموازنة؟ أم تقوم مجالس إدارات هذه البنوك بالإنفاق مباشرة على الجوانب المجتمعية؟
عند الإجابة عن هذا التساؤل لابد من تأكيد أن تحسين الحالة الإجتماعية وإيصال الخدمات الصحية والتعليمية إلى جميع المواطنين مسئولية أساسية تقع على الحكومات أولا، وما تقوم به الأطراف الأخرى من نشاط فهو مكمل وليس الأساسي.
ويرجع السبب فى ضآلة ما تحصل عليه الخزانة، إلى غياب المالك (الخزانة العامة) عن التمثيل فى الجمعيات العمومية لهذه البنوك، أو على الأقل التمثيل بشكل لا يتناسب مع حجم الملكية. رغم انها المنوط بها إقرار القوائم المالية وتوزيع الأرباح، إذ تنص المادة 137 من القانون على أن الجمعية العمومية لهذه البنوك والتى يصدر بها قرار من رئيس مجلس الوزراء تضم مجموعة من ذوى الخبرة المصرفية والمالية والإقتصادية والقانونية، ولم ينص على تمثيل وزارة المالية بأى شكل من الأشكال.
وفى هذا الإطار نرى ضرورة تعديل هذا النص ليصبح رئيس الجمعيات العمومية لهذه البنوك هو وزير المالية بإعتباره المالك. وهو ما يساعد فى إستئداء حق الخزانة العامة من العوائد على الأصول المملوكة للدولة، مما يساعد فى تنمية الإيرادات دون فرض أعباء جديدة على المواطنين، وذلك عن طريق النص على أن تكون وزارة المالية، بإعتبارها المالك، الحق فى التمثيل الأكبر، فى الجمعيات العمومية لهذه الكيانات. بحيث تعكس الجمعيات العمومية التمثيل الحقيقى لأصحاب رءوس الأموال.
فمن غير المعقول الإكتفاء بممثل واحد فقط للخزانة العامة. من هذا المنطلق نرى ضرورة العمل على أن تقوم هذه الكيانات جميعا بتحويل الجانب الأكبر من الفوائض المتراكمة لديها للخزانة العامة والتى تقوم بإنفاقها وفقا لأولويات السياسات الإقتصادية بحيث يتمكن المجتمع من تحقيق إيرادات عامة أكثر دون التأثير على معدلات النمو الإقتصادى ومعدلات الإستثمار، وبما يعود بالنفع على السواد الأعظم من المجتمع.