جدل أممي حول مشروعية النووي الكوري
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
هل يجوز لكوريا الشمالية أن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية، بحكم الأمر الواقع؟ هذا السؤال جرت إثارته من جديد في الآونة الأخيرة، فور صدور تصريحات أممية تؤكد هذا الحق، منسوبة لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي.
تصريحات جروسي -المفاجئة والمثيرة للجدل- وردت ضمن مقابلة صحفية، أجرتها معه وكالة أنباء “أسوشيتدبرس” الأمريكية، وقد لفتت المقابلة انتباه المراقبين في مختلف أنحاء العالم، لأنها تتعارض مع نصوص 6 قرارات تبناها مجلس الأمن، بخصوص مخاطر البرنامج النووي -غير القانوني- الذي تطوره كوريا الشمالية.
لأن كوريا الجنوبية كانت -وما تزال- هي الأكثر تضررًا من تطوير البرامج النووية والصاروخية الكورية الشمالية على مدار عقدين، فقد طلبت سول تفسيرًا فوريًا من المتحدث باسم وكالة الطاقة الذرية، فريدريك دال، وفيما يلي نص إجابته على سؤال طرحته وكالة أنباء “يونهاب” الكورية الجنوبية: “إن جروسي كان يؤكد صلاحية القرارات التي تبناها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويؤكد -أيضًا- ضرورة إجراء حوار مع كوريا الشمالية”؛ بمعنى أن التصريحات استهدفت التوصل لحل عاجل وجدي لقضية البرنامج النووي غير القانوني لكوريا الشمالية.
آخر التقديرات تشير إلى أن كوريا الشمالية بحوزتها 50 رأسًا نوويًا، ولديها من المواد النووية ما يكفي لامتلاك 200 رأس نووي في عام 2027، وبحلول عام 2030، سوف يصل عدد الرؤوس الحربية إلى 300. أما العدد الإجمالي العالمي للرؤوس النووية فيبلغ حوالي 12512 رأسًا، تحتل روسيا المركز الأول بنحو 4380 رأسًا، تليها الولايات المتحدة 3708، الصين 500، فرنسا 300، إنجلترا 215، أما الدول التي لم تشارك في معاهدة حظر الانتشار وتمتلك رؤوسًا نووية، فهي: الهند 172، باكستان 170، إسرائيل 90، ثم كوريا الشمالية 50 رأسًا نوويًا.
أيضًا، يسود الاعتقاد بأن كوريا الشمالية سوف تجري تجربتها النووية السابعة تزامنا مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر نوفمبر المقبل، ومنذ بدء العام الحالي، 2024، أطلقت نحو 37 صاروخًا باليستيًا، متوسط المدى يصل مداه إلى مدن ومنشآت عسكرية بالشطر الجنوبي، وعابرًا للقارات يهدد الأراضي الأمريكية.
كوريا الشمالية من المفترض أنها تخضع لعقوبات دولية صارمة، منصوص عليها في 6 قرارات، صادرة من مجلس الأمن الدولي، بأرقام: 1718، 1874، 2094، 2270، 2321، 2375، نتيجة لتطوير برامجها الصاروخية والنووية، وقد طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بيونج يانج، وغيرها من عواصم دول العالم، بضرورة الامتثال لقواعد العقوبات المفروضة بمقتضى هذه القرارات.
بيونج يانج كانت قد أعلنت للمرة الأولى -في شهر سبتمبر الماضي- أن الزعيم كيم جونج أون قام بتفتيش منشأة لتخصيب اليورانيوم، في خطوة تظهر أن بلاده تخطط لمزيد من التطوير في برنامجها النووي. في الوقت نفسه، قال سفير كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة، كيم سونج: “أن بيونج يانج استبعدت إجراء محادثات بشأن نزع السلاح النووي، وأن بلاده دولة ذات سيادة، ولها الحق المشروع في الدفاع عن النفس، وأن امتلاك الأسلحة النووية جزء من دفاع الأمة”، مشيرًا إلى أن التدريبات العسكرية السنوية المشتركة، التي أجرتها القوات الأمريكية والكورية الجنوبية في شهر أغسطس الماضي أدت إلى تفاقم المواجهات العسكرية بالمنطقة.
التصعيد النووي الكوري الشمالي قوبل- يوم الخميس الماضي -بتصعيد مماثل- من جانب الشطر الكوري الجنوبي، بالإفصاح -لأول مرة- عن امتلاكه لأكبر صاروخ باليستي سطح/سطح،
هيونمو-5 يوصف باسم الصاروخ الوحشي، قادر على حمل رأس حربي يزن 8 أطنان، وبقدرة تدميرية مماثلة للأسلحة النووية التكتيكية، اللافت أن بيونج يانج وصفت الصاروخ الوحشي بأنه “سلاح ضخم لا قيمة له”!
سول أنشأت آلية تمكنها من ردع التهديدات النووية والصاروخية الكورية الشمالية والرد عليها- بفعالية إستراتيجية “الردع الموسع” مع واشنطن- بدون الحاجة إلى امتلاك ترسانتها النووية الخاصة.
وتعني إستراتيجية “الردع الموسع” التزام أمريكي بالدفاع عن حليفتها بكل ما لديها من قدرات عسكرية بما في ذلك النووية.
أظهرت نتائج استبيان للرأي، أجرته -منذ أشهر- مؤسسة جالوب الكورية الجنوبية، أن 72.8% من مواطنيها يؤيدون امتلاك أسلحة نووية، وأن 91% يرون استحالة نزع سلاح كوريا الشمالية النووي، ووصف الرئيس الكوري الجنوبي، يون صوك-يول، نتائج الاستبيان، الداعية لامتلاك بلاده أسلحة نووية بأنها فكرة غير واقعية، قائلا: “على الرغم من أن هذا الأمر لن يستغرق وقتا طويلا، بسبب تفوق كوريا الجنوبية في العلوم والتكنولوجيا، إلا أن سول ستواجه –في حالة امتلاك سلاح نووي- عقوبات وضربة قوية لاقتصادها”.
وفي تصريحات -نارية- أدلى بها يوم الخميس الماضي، قال الرئيس يون: “إذا حاولت كوريا الشمالية استخدام الأسلحة النووية، فستواجه ردًا ساحقًا وحاسمًا من جانب جيشنا والتحالف بين بلدنا والولايات المتحدة، وسيصبح هذا اليوم نهاية النظام الكوري الشمالي”. وحسب وكالة أنباء رويترز-نقلا عن وكالة الأنباء المركزية الشمالية، رد الزعيم كيم أن بلاده لن تتردد في استخدام جميع القوات الهجومية المتاحة في حالة الاعتداء عليها، مؤكدًا إمكانية استخدام الأسلحة النووية، إذا حاولت دول أخرى التعدي على سيادة كوريا الشمالية.
خلال زيارة إلى قاعدة تدريب لوحدات العمليات الخاصة بالشمال يوم الأربعاء الماضي، قال كيم: “لقد تفاخر الدمية “يون” بالرد الساحق بالعضلات العسكرية على أعتاب الدولة التي تمتلك أسلحة نووية، وكانت مفارقة كبيرة أثارت الشكوك بأنه رجل غير سوي”، مؤكدًا أن تصريحات “يون” أظهرت “عدم الارتياح الأمني والنفسية المنزعجة للقوات العميلة”، وهو بمثابة اعتراف بأن كوريا الجنوبية والولايات المتحدة هما “من يدمر الأمن والسلام الإقليميين”.
تلك كانت هي المرة الأولى منذ حوالي عامين التي يصدر فيها “كيم” مثل هذه التصريحات القوية عن “يون” دون أن يخاطبه بصفته رئيسا للجنوب. وكانت آخر مرة في يوليو 2022 خلال خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى التاسعة والستين للهدنة.
تبقى الإشارة إلى ما نقلته وكالة أنباء تاس عن وزارة الخارجية الروسية بأن “إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية أمر مستحيل بينما يتم تعزيز وتطوير التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إلى المستوى النووي”.
.. وهكذا، يستمر الجدل -الأممي والإقليمي- حول مشروعية النووي في كوريا.