الدكتورة خديجة حمودة :
إحصائيات موجعة
هناك أشخاص يتفوقون فى دراسة الرياضيات والأرقام والعد والجمع والقسمة واستخراج الجذور التربيعية والتكعيبية والرسم الهندسى والاحتمالات، وآخرون لا يستسيغون تلك العمليات ولا يفضّلون دراستها أو العمل بها أو حتى قراءتها، حيث تصيبهم بالتوتر والقلق، أما النوع الآخر من البشر فهو عاشق للعبة الأرقام، يحفظها ويحولها فى ذاكرته إلى ترجمات ومعانٍ كثيرة ولا يكتفى بذلك، بل يحول كل مناسبة يعيشها إلى رقم يحتفظ به فى ذاكرته أو بين أوراقه، وقد يتعامل معه على أنه كيان لا بد من الحفاظ عليه.
ونعيش جميعاً حياتنا برقم يصفونه بأنه قومى، أى رسمى وقانونى ومسجل فى الدولة، ودون هذا الرقم الذى يحمل جميع الدلالات على وجودنا، فإننا نعانى ويصعب علينا الحصول على أى حق فى مؤسسات الدولة أو حتى الحق فى الحياة. وفى الحياة اليومية ولحظات الحب والرومانسية التى نختطفها من الأيام فإننا نرتدى خاتم الزواج وداخله تاريخ اللقاء وبدء الحياة الجديدة، ولا مانع من أن نُسجل للأبناء تواريخ ميلادهم على قلادات قد نكتبها بالخط الفرعونى، وكأنما تلك التواريخ هى أجمل الأرقام.
والآن تطالعنا إحصائيات تصيبنا بالهلع والقلق حتى إن كان لدينا عكسها الذى حصلنا عليه منذ أكثر من خمسين عاماً، والذى حصلنا بسببه على انتصار لم ينسَه العالم حتى الآن.
ففى آخر إحصائيات أعلنتها وسائل الإعلام الفلسطينية بعد عام من اندلاع الحرب فى قطاع غزة، فقد ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلى إلى 41870 شهيداً و97166 مصاباً منذ السابع من أكتوبر الماضى وحتى الآن. وفى إحصائيات وزارة الصحة بقطاع غزة فإن إجمالى شهداء القطاع الصحى 986، كما استُشهد 146 طبيباً من ذوى التخصّصات المختلفة النادرة وخرج 23 مستشفى من أصل 38 من الخدمة نهائياً،
وفى القطاع يوجد 12500 مريض سرطان بحاجة ماسة للعلاج بالخارج، واستهدف العدو 130 عربة إسعاف ودمرها تماماً لتخرج من الخدمة، هذا بخلاف 25000 مريض وجريح يحتاجون العلاج بالخارج أيضاً، وبطبيعة الحال فإن المستهلكات الطبية تعانى من نقص يصل إلى 83%، بالإضافة إلى نقص 60% من الأدوية. ويكفى أن نتذكر أنه بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء الحرب كانت التقديرات الأولية تشير إلى أن التكلفة الإجمالية للأضرار الناجمة عن الحرب قد تصل إلى 18.5 مليار دولار، فكيف ستكون الأرقام الآن لهذه التكلفة،
خاصة وقد أعلنت الأضرار التى لحقت بالبنية التحتية لغزة كالتالى، 92% من الطرق الرئيسية دُمرت تماماً و67% نسبة مرافق المياه والصرف الصحى التى تضرّرت، أما كمية المياه غير المعالجة والصرف الصحى اليومية المتدفّقة إلى البحر من غزة فتصل إلى 60 ألف متر مكعب، بينما بلغ طول الشبكة الكهربائية المدمّرة 510 كم، أى 320 ميلاً.
وتشير التقارير الدولية إلى أن إسرائيل دمّرت خلال الهجمات بشكل ممنهج القطاع الاقتصادى تماماً، بكل ما فيه من المنشآت والمصانع والمزارع وأسواق الأسماك، فقد ذكر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن ثلثى الوظائف التى كانت موجودة قبل الحرب فُقدت تماماً، كما ارتفعت نسبة البطالة من 45% قبل الحرب إلى 80% بعدها وفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية الذى صدر مايو الماضى. ووفقاً لأرقام المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان،
فقد بلغت نسبة الفقر فى القطاع 100%، والتى كانت قبل الحرب 50%. وتضرر 90% من الأصول الزراعية، بما فى ذلك أنظمة الرى ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين، مما أدى إلى شلل القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائى المرتفعة بالفعل وفق إحصائيات «أونكتاد»، التى أكدت أن 82% من الشركات توقفت فى قطاع غزة، وهى التى كانت تُشكل محركاً رئيسياً للاقتصاد. وشدد على أن هذه الحرب وضعت الاقتصاد فى حالة خراب.
ومن أكثر الإحصائيات الموجعة أن إسرائيل دمّرت 3 كنائس و611 مسجداً بشكل كلى و214 بشكل جزئى و206 مواقع أثرية وتراثية و36 منشأة وملعباً وصالة رياضية، كما دمرت 125 مدرسة وجامعة بشكل كامل، و337 بشكل جزئى، فضلاً عن تدمير كامل لنحو 201 مقر حكومى.
وعلى الجانب الآخر، فقد أعلن المتحدث الرسمى للجيش الإسرائيلى، أن عدد الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا منذ السابع من أكتوبر الماضى بلغ أكثر من 720، وأن عدد الصواريخ التى أطلقت على إسرائيل من غزة أكثر من 9500 صاروخ، وأن المحتجزين الرهائن لدى حماس عددهم 251، وأن عدد الرهائن الأحياء فى غزة 66 رهينة، ويُعتقد أن هناك 35 قد ماتوا. وقد تم تجنيد 300 ألف جندى احتياطى منذ بدء الحرب 82% منهم من الرجال و18 من النساء.
أما عن إحصائيات الصواريخ، فقد انطلق من غزة على إسرائيل 13200، ومن لبنان 12400، ومن سوريا 60، ومن اليمن 180، ومن إيران ٤٠٠. ورغم هذه الإحصائيات والتقارير المرعبة والموجعة للجميع فالصراع ما زال مستمراً والضحايا تتساقط، وتبقى إعادة الإعمار والسلام حلماً ليس أكثر.