ألف باء
السيد هانى .. يكتب عن :
الحسابات الخاطئة فى حرب غزة
شجاعة عبدالناصر .. والمطلوب من حماس
مقاومة الاحتلال عمل بطولى مشروع .. ويجب أن يكون تحت قيادة موحدة ..
عمرو موسى :
الانقسام الفلسطينى نتاج لتدخلات خارجية وأعمال مخابرات وتجنيد عملاء ..!
نبوءة أبوالغيط :
الدولة الفلسطينية قادمة قريبا .. أراها رأى العين ..!
إسرائيل أصبحت تعانى من عزلة دولية .. وعلم فلسطين أصبح مرفوعا فى كل مكان ..
مطعم فى تايلاند يعلق على بابه لافتة تقول : “ممنوع دخول الإسرائيليين” .. وصاحبه يقول : “لن نقدم الطعام لإسرائيليين والأطفال فى غزة يموتون من الجوع” ..
سأبدأ بالإشارة إلى أنه فى مساء 9 يونيو 1967 .. بعد ساعات فقط من حدوث نكسة 67 .. كان لدى الرئيس جمال عبدالناصر الشجاعة لكى يخرج إلى الشعب المصرى عبر شاشات التليفزيون والإذاعة .. ليعلن مسئوليته عن حدوث النكسة ، وتخليه عن جميع مناصبه وسلطاته ، ونقلها إلى نائبه زكريا محيى الدين .. وعودته للعمل فى صفوف الجماهير كواحد من أبناء الشعب .. !
كان عبدالناصر جادا وصادقا فيما يقول .. الدليل على ذلك أنه حدد بالإسم من الذى سينتقل إليه منصب رئيس الجمهورية وسلطاته .. حتى لا تقع الدولة فى فراغ دستورى .. أو يبقى الباب مواربا لعودته إلى السلطة ..!
المطلوب الآن من حركة حماس .. أن تتحلى بنفس الشجاعة التى تحلى بها من قبل الرئيس جمال عبدالناصر .. وتخرج إلى العلن فتعلن مسئوليتها عما لحق بقطاع غزة .. وتعلن خروجها من المشهد تماما .. ونقل المسئولية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى .. بذلك تقطع حماس الطريق على حجة بنيامين نتنياهو الذى يؤكد دائما أن حربه على غزة سوف تستمر حتى يتم القضاء على حماس ..!
بالطبع لا يمكن مقارنة عدد الشهداء الذين سقطوا فى العدوان الإسرائيلى على مصر فى يونيو 67، ولايزيد عددهم عن 10آلاف شهيد .. بعدد الشهداء الفلسطينيين الذى سقطوا فى العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة منذ قرابة العام ، والذى تجاوز حتى الآن 41 ألف شهيد ، فضلا عن عشرات الآلاف من الشهداء المدفونيين تحت الأنقاض ولم تستخرج جثثهم بعد .. وقرابة مائة ألف جريح ومعاق ، معظمهم بترت أطرافه ! ..
بالمحصلة : يمكن القول أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة .. حتى الآن .. قد تجاوز مائتى ألف بين شهيد ومفقود وجريح ..!
إذن لماذا لا يتحلى قادة حماس بشجاعة عبدالناصر .. ويعلنون خروجهم من المشهد ، كما أعلن عبد الناصر تنحيه عن منصبه ..؟
ألم يؤثر فى قادة حماس صور آلاف الجثث والأكفان والمقابر الجماعية .. التى تنقلها الفضائيات على مدار الساعة كل يوم من قطاع غزة ؟ ..
ألم يؤثر فيهم صور الأمهات اللاتى يصرخن وهن يحملن بقايا أطفالهن .. أشلاء لحم مقطع ، وأطراف مبتورة؟ .. وصورة الأب الذى يبكى وهو ممسك ب “كف يد” .. هو كل ما تبقى من جسد طفلته الصغيرة؟ ..
ألم يؤثر فيهم صوت بكاء الطفل الذى بترت ساقيه .. فأخذ يقول بأسى شديد “نفسى ألعب .. نفسى أمشى”! .
حالات بتر الأطراف فى المستشفيات التى تجرى بدون تخدير .. تجعل أجسادنا تقشعر ..!
صراخ المصابين فى المستشفيات .. الذين تجرى لهم الجراحات فى الطرقات .. تحت أضواء التليفونات المحمولة .. بسبب نقص الأدوية والوقود والمستلزمات الطبية .. ستظل تدوى فى آذاننا ..!
ألم تصل إلى قادة حماس .. صرخة تلك الأم التى عادت من السوق لتجد بيتها قد قصف ، فأخذت تصرخ “فين ولادى .. فين ولادى” .. وسيدة أخرى تبكى وتقول : “ولادى ماتوا من غير ماياكلوا” ..!
ألا يعرف قادة حماس الذين يأكلون أشهى الأطعمة فى فنادق الخمسة نجوم بالدوحة وبيروت وعمان .. أن آلاف الأطفال فى غزة ماتوا بسبب نقص الغذاء .. فى حرب التجويع التى فرضتها إسرائيل على سكان القطاع ؟..
ألم تنقل لهم الفضائيات فى غرفهم المكيفة بالفنادق .. صورة تلك السيدة التى فقدت أولادها تحت القصف وأخذت تصرخ : “أوقفوا القصف ياعالم .. غزة انهلكت .. غزة مفيش .. اللى بيقول غزة صامدة كذب .. غزة انهلكت”! ..
ألم يسمعوا كلمة فيليب لازارينى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشئون اللاجئين ، أمام اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم 10 سبتمبر ، عندما وصف قطاع غزة بأنه أصبح مكانا مرعبا .. ومن قبله قال أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة بأن غزة أصبحت مقبرة للأطفال ..!
إذن .. ماذا ينتظر قادة حماس لكى يعترفوا بالمسئولية عما لحق بقطاع غزة ؟..
المآساة كبيرة
إن مآساة سكان غزة لم يشهد التاريخ مثيلا لها .. ليس فقط فى عملية الإبادة الجماعية للسكان ، والتدمير الكامل للمساكن والمنشآت بأسلوب حرق المربعات .. بل أيضا فى المعاناة اليومية التى يلاقيها من لازالوا على قيد الحياة .. من جوع وعطش ونزوح متكرر واستهداف مستمر بالصواريخ وقنابل الفوسفور الأبيض ، والذخائر المحرمة دوليا ..
لذلك لابد من إنهاء هذه المآساة فورا مهما كلفنا ذلك .. لكى يتوقف حمام الدم المستمر كل يوم فى غزة على مدار ال 24 ساعة ..
يجب على حماس أن تتذكر أن الحروب “كر وفر” .. والمقاتل الشجاع هو الذى يعرف متى يتقدم ومتى ينسحب .. وإذا كانت إسرائيل قد كسبت هذه الجولة من الصراع .. فهذه ليست نهاية الصراع العربى الإسرائيلى .. الجولة القادمة سينتصر فيها العرب ..
يجب على حماس أن تتحلى بالشجاعة .. وتعلن خروجها من المشهد حقنا للدماء المهدرة .. ولكى تقطع على نتنياهو حجته فى استمرار الحرب ..
نتحدث عن بسالة المقاومة الفلسطينية وصمودها الأسطورى .. ونفرح بنسف دبابة ميركافا وقتل 5 جنود إسرائيليين .. لكن فى المقابل يسقط 200 فلسطينى من أبناء غزة بين شهيد وجريح .. وتدمر مئات المنازل وتسوى أحياء كاملة بالأرض .. وذلك بسبب التفاوت الكبير فى ميزان القوة بين الجيش الإسرائيلى والمقاومة الفلسطينية .. !
لا يجب أبدا أن نغفل ما تقوله الأرقام ..!
لو قسمنا فى أى وقت عدد ضحايا القصف الإسرائيلى من سكان غزة ، على عدد الأيام منذ بدأت الحرب .. سنجد أن متوسط عدد الضحايا كل يوم يقترب من 500 فلسطينى بين شهيد ومفقود وجريح .. معظمهم من الأطفال والنساء! ..
لعل هذه الأرقام تكشف لنا إلى أى مدى استند المخططون لهجوم 7 أكتوبر على “حسابات خاطئة” عندما أقدموا على هذه الخطوة .. لقد أغفلوا تماما الفارق “المهول” فى ميزان القوة بينهم وبين إسرائيل ..!
لماذا لم يضعوا فى حساباتهم .. مدى حجم وقوة الرد الإسرائيلى ..؟
لماذا لم يضعوا فى حساباتهم أن إسرائيل تحظى بدعم عسكرى أمريكى غير محدود .. وتتصرف فوق القانون .. تدمر المنشآت المدنية .. وتقتل الأطفال والنساء بالذخائر المحرم استخدامها دوليا!..
صحيح أن هجوم 7 أكتوبر 2023 على الإسرائيليين .. كان نتاج سنوات طويلة من معاناة الشعب الفلسطينى تحت الإحتلال الإسرائيلى..
لكن .. كان يجب حساب ما يمكن أن يسفر عنه مثل هذا الهجوم من نتائج ..
قيادة موحدة
نعم لابد أن تستمر المقاومة الفلسطينية طالما بقيت إسرائيل تحتل أرض فلسطين .. لأن مقاومة الإحتلال واجب مقدس .. وعمل بطولى مشروع بموجب القرارات الدولية .. ومن قبلها ما جاء فى الكتب السماوية المقدسة..
لكن .. لكى تحقق المقاومة النتائج المرجوة منها .. يجب أن تعمل تحت قيادة موحدة .. لأن تعدد القيادات يفشل عمل المقاومة .. الدليل على ذلك أن لدينا فى فلسطين 14 فصيل مقاومة مسلح .. لكن كل هذه الفصائل فشلت حتى الآن فى تحرير مجرد 14 سنتيمترا فقط من الأراضى الفلسطينية المحتلة !..
لماذا ..؟
لأنها تعمل تحت 14 قيادة .. 14 زعامة منقسمون ومششتتون ..!
هذا العدد الكبير من القيادات .. والزعامات .. سهل الطريق أمام الموساد الإسرائيلى لاختراق الكثير من فصائل المقاومة الفلسطينية !..
لابد أن نعترف أن بعض الفصائل الفلسطينية .. التى ترفع شعارات المقاومة .. وتطلق الشعارات الرنانة .. وتنظم المظاهرات .. هى فى حقيقة الأمر تحقق “هدف استراتيجى” لإسرائيل وهو تعزيز حالة الإنقسام الفلسطينى .. فضلا عن أن بعضها يعمل لصالح قوى إقليمية .. لا يهمها مصلحة الشعب الفلسطينى ..
لابد أن ندرك أنه فى ظل استمرار حالة الإنقسام الفلسطينى .. التى تحرص عليها إسرائيل .. فإن أية جهود تبذل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .. ستظل بمثابة “نفخ فى قربة مقطوعة” ..!
شهادة عمرو موسى
سأنقل هنا ما كتبه السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق عن الإنقسام الفلسطينى ، فى كتابه الرائع “كتابيه – سنوات الجامعة العربية” الصادر عن دار الشروق – الطبعة الأولى 2020 :
يقول عمرو موسى فى صفحة 165 من الكتاب : ” الرأى عند الكثير من المتابعين فيما يتعلق بهذا الإنقسام الفلسطينى أنه نتاج لتدخلات خارجية ، وأعمال مخابرات وتجنيد عملاء ، وإنفاق أموال طائلة ، للحيلولة دون وحدة الصف الفلسطينى ، (فرق تسد) ، ووقع الفلسطينيون ضحايا لكل ذلك بضعفهم ونقص الأموال لديهم ، وتغليب المصالح الحزبية الضيقة على حساب القضية ، وإن ادعى كل طرف بأنه صاحب الحق فى التعبير عنها ، ووصم أخيه بالخيانة والعمالة وبيع القضية” ..
يضيف موسى : “حين أتحدث عن التدخلات الخارجية التى أصابت كبد الجسد الوطنى الفلسطينى فلا أبرئ بعض الحكومات العربية ، ولا بعض الشخصيات الفلسطينية التى سمحت بتلك التدخلات التى لا تبغى سوى مصالحها على حساب الشعب الفلسطينى .. أى لماذا ياترى فشلت كل هذه المساعى لرأب الصدع ولاتزال تفشل ؟ .. ربما تكمن الإجابة فى الأيدى الخفية والمصالح الخارجية ، وكذلك فى تفريعات “الشرق الأوسط الجديد” والسياسات المتعلقة بنظريات الإسلام “المعتدل” ودوره ، وسياسة “الإسلام المتطرف” ودوره هو الآخر . كما تكمن فى المصالح المشبوهة التى ترى فى استمرار الانقسام الفلسطينى ضمانا لمصالح إستراتيجية ولمكاسب تكتيكية فى الوقت ذاته ، يستوى فى هذا الإسرائيليون والفلسطينيون . وكذلك غيرهم من جهات عربية معروفة بصلاتها غير السوية وأنظمة إقليمية قادرة على المداهنة والتخريب” ..
يضيف موسى : “كذلك لا أبرئ الفكر المعوج الذى خلط الدين بالسياسة فى مرحلة دقيقة من مراحل الكفاح الفلسطينى ، ليدخل الفلسطينيون فى مرحلة إضافية من الانقسام متعدد الأشكال والوجوه ، فصارت لدينا ثنائية الدينى / المدنى ، بالإضافة إلى الانقسام الجغرافى بين الضفة والقطاع ، والانقسام الذى تشكله التبعية لهذه المنظمة أو تلك .. أو إلى هذه الدولة أو تلك ، أو إلى هذا الجهاز أو غيره ، خاصة الأجهزة الإسرائيلية والعالمية .. يضاف إلى ذلك الانقسام بين من لا يرون إلا الكفاح العسكرى وسيلة للتحرير وبين من يؤيدون الحل السياسى ، وهذا كله بالإضافة الانقسامات الهيكلية الأساسية منذ قيام منظمة التحرير الفلسطينية ومن هم فى داخلها ومن هم خارجها .. ناهيك عن التنافس الشخصى الذى يتداخل مع كل ماسبق .. كل هذا أدى إلى تشرزم الفلسطينيين وتراجع قوتهم ونضالهم ، بل إنه أفقد القضية حماسة الكثيرين من المتعاطفين معها سواء كانوا شعوبا أو حكومات” ..
يقول موسى : ” لقد تجدد الانقسام مع الأسف ، ولايبدو أن أيا من الجانبين يمكنه التفاؤل ، أو أن يظهر وكأنه خضع أو خنع للآخر .. أما فلسفة التوافق فى سبيل الوطن فهى غائبة .. بل إن هناك قيادات فى الصفوف الأولى تعمل جاهدة على وأد أى تباشير لإنهاء الانقسام” ..
يضيف : “إن المشكلة الفلسطينية قد اغتالتها أو هى فى سبيلها إلى الاغتيال للأسباب الثلاثة التالية :
غرور القوة وصفاقة التعنت و”الطفاسة” الإسرائيلية ..
الانحياز المطلق من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل ..
الانقسام الفلسطينى ..
وأزيد من الشعر بيتا لأقول : وبعض السياسات العربية التى تداهن السياسات الداعمة لإسرائيل ، أو التى لا تستطيع منها فكاكا ” ..
نشأة حماس
لعل شهادة السيد عمرو موسى التى سجلها بقلمه عن الانقسام الفلسطينى .. تفسر لنا الموقف الذى اتخذته إسرائيل من حركة حماس منذ الأيام الأولى لظهورها .. – أتحدث عن حركة حماس بالذات .. لأنها التى جسدت حالة الإنقسام الفلسطينى فى أشد صوره .. الدليل على ذلك أحداث صيف 2007 ، عندما قامت حركة حماس بقتل وأسر كل من ينتمى إلى حركة فتح فى غزة .. وارتكبت ضدهم مآسى مروعة .. وصلت إلى درجة إلقاء بعضهم أحياء من فوق أسطح المنازل .. فضلا عن طرد القوات التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية من معبر رفح والسيطرة عليه .. قصة هذه الأحداث طويلة .. ومؤلمة .. ويطول شرحها .. !
أعود إلى الأيام الأولى لظهور حركة حماس ، التى أعلنت عن نفسها بإصدار بيان تأسيسى فى 15ديسمبر1987 .. وبإصدار ميثاق الحركة فى 18أغسطس 1988..
فى تلك الآثناء كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد اكتسبت شرعية دولية كبيرة ، بعد قرار القمة العربية بالرباط عام 1974 باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى ، فأصبحت بعد ذلك عضوا فى عدد من المنظمات الدولية الهامة .. مثل حركة عدم الانحياز ، ومنظمة التعاون الإسلامى ، حتى منظمة الوحدة الأفريقية كان ياسر عرفات يحضر جميع اجتماعاتها وكانت القضية الفلسطينية بندا دائما على جدول أعمالها .. كما أصبح للمنظمة تمثيلا فى الأمم المتحدة ..!
ليس هذا فقط .. بل إن منظمة التحرير الفلسطينية قامت بافتتاح سفارات لها ومكاتب تمثيل فى عدد من عواصم العالم .. فأصبح لها بعثات دبلوماسية وسفراء فى موسكو وبكين وباريس والقاهرة وكثير من العواصم الكبرى .. هذا الانتشار فى التمثيل الدبلوماسى، دعمته حركة دءوبة لاتهدأ للرئيس الراحل ياسر عرفات ، الذى كان حريصا على زيارة كثير من الدول والإلتقاء برؤسائها وحضور المؤتمرات الدولية لشرح قضية شعبه ..
زاد وضع منظمة التحرير الفلسطينية قوة على الساحة الدولية ، عندما أعلن ياسر عرفات من الجزائر فى 15 نوفمبر 1988 عن قيام الدولة الفلسطينية ، فاعترفت بها على الفور كثير من دول العالم ، ومنها دول كبرى مثل الصين وروسيا والهند والأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا وتركيا وجنوب أفريقيا ..!
هكذا وجدت إسرائيل نفسها فى مواجهة دولة فلسطينية أعلن عن قيامها بالفعل وأصبح لها تمثيل دبلوماسى فى كثير من العواصم الكبرى .. فمارست ضغوطا هائلة على الدول الغربية كى لا تعترف بها ، كما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها لإفشال هذا المشروع ، وكان المبرر دائما أنه لم يحن الوقت بعد لقيام الدولة الفلسطينية ..
نجحت إسرائيل بمساعدة أوربا وأمريكا فى وئد الدولة الفلسطينية فى مهدها .. لكن المسألة لم تنته عند ذلك بالنسبة لإسرائيل .. أخذت تخطط لهدف استراتيجى أبعد وأهم يضمن لها عدم تكرار ما حدث يوم 15 نوفمبر فى الجزائر! .. هذا الهدف هو سحب “سجادة” الإجماع الوطنى من تحت أقدام منظمة التحرير الفلسطينية .. حتى تسقط على الأرض وتنتهى .. أو على الأقل تصبح مشغولة بالصمود فى وجه الداخل الفلسطينى .. بدلا من الصمود فى وجه إسرائيل ..!
الطريق إلى تحقيق هذا “الهدف الإستراتيجى” لإسرائيل .. يتطلب زرع بذور الفتنة فى الأرض الفلسطينية .. حتى يقتل الفلسطينى أخيه الفلسطينى (وهو ماحدث فى غزة2007) .. فتتمكن إسرائيل بعد ذلك من تنفيذ مشروعها الصهيونى بإخلاء فلسطين من شعبها لكى يسكنها اليهود (وهو مانراه يحدث الآن فى غزة والضفة الغربية) ..!
فى هذا الظرف التاريخى بالنسبة لإسرائيل .. عام 1988 .. وجدت إسرائيل فى حماس منافسا قويا لمنظمة التحرير الفلسطينية .. أقوى من غيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية الموزعة هنا وهناك بين سوريا والعراق والأردن ..
وجدت إسرائيل فى حماس القدرة على النيل من رصيد منظمة التحرير الفلسطينية واضعافها ، بعد أن فشلت إسرائيل فى إضعاف المنظمة عن طريق اغتيال عدد من قياداتها فى تونس وفى لبنان وفى بعض العواصم الأوربية ..
هكذا .. يمكن القول أن ظهور حماس على الساحة الفلسطينية .. وفر لإسرائيل “التربة الخصبة” لزرع بذور الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطينى الواحد! .. فحرصت على دعمها .. لكى يتحقق الانقسام الفلسطينى .. وتتبخر فرص إقامة الدولة الفلسطينية ..!
بإيجاز شديد سأسوق هنا مثالين فقط على دعم إسرائيل لحماس :
المثال الأول : انسحاب شارون من قطاع غزة فى أغسطس 2005 .. كان الهدف الحقيقى منه إفساح المجال الجغرافى لحماس لكى تنمو وتكبر ..!
المثال الثانى : الحقائب المحملة بملايين الدولارات التى كانت تأتى من قطر لدعم وإعاشة سكان غزة .. كانت تهبط بها الطائرات فى مطار تل أبيب .. ثم تقوم السيارات الإسرائيلية بنقلها إلى قطاع غزة ، وتسليمها بتعليمات من نتنياهو إلى قادة حماس ..!
معضلة “اليوم التالى”
أعود للحديث عن الحسابات الخاطئة فى حرب غزة ..
من بين هذه الحسابات ما يطلبه قادة حماس بعد كل هذا الدمار الذى لحق بقطاع غزة وسكانه الأبرياء ..من ضمانات للبقاء فى السلطة والمشاركة فى إدارة القطاع بعد الحرب ، كأحد شروط إتمام صفقة الإفراج عن الرهائن .. وهو بالضبط ما جاء على لسان خالد مشعل من الدوحة لصحيفة “نيويورك تايمز” – يوم الثلاثاء 17 سبتمبر – حيث قال : “إن حماس غير مستعجلة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة .. وإن افتراض غياب حماس عن المشهد الغزاوى بعد انتهاء الحرب أمر خاطئ”!..
إذن .. ماذا تبقى فى قطاع غزة لكى تعود إليه حماس وتشارك فى إدارته ؟!..
إن كل التقديرات التى صدرت عن جهات دولية تقول إن نحو 80 بالمائة من المساكن والمنشآت فى قطاع غزة دمرت بالكامل .. سويت بالأرض .. بما فى ذلك المدارس والمستشفيات ودور العبادة وغيرها .. وأن كمية الركام والأنقاض جراء القصف الإسرائيلى تحتاج إلى 8 سنوات لرفعها .. و10 سنوات لإعادة الإعمار .. ومئات المليارات لإعادة الحياة فى قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023! .. إذن من الذى سيدفع فاتورة إعادة إعمار غزة ..؟
إنها الأمم المتحدة التى ستدعو إلى عقد مؤتمر للمانحين ..
وبما أن معظم المانحين ، هم من الدول الغربية التى تصنف حماس كمنظمة إرهابية .. إذن فهذه الدول لن تقدم سنتا واحدا لإعادة إعمار غزة ، طالما ظلت حماس حاضرة فى الصورة ، وتطالب بالمشاركة فى إدارة القطاع ..
تلك إذن هى معضلة ما يسمى ب”اليوم التالى” فى غزة .. الذى لن يأتى أبدا قبل أن تعلن حماس إلقاء السلاح وانتهاء دورها ..!
نقطة تحول
لم تقتصر الحسابات الخاطئة فى حرب غزة على الجانب الفلسطينى .. بل امتدت أيضا للجانب الإسرائيلى ، الذى استمر فى ارتكاب جرائمه الوحشية .. فسقط فيها حتى الآن أكثر من 30 ألف طفل وإمرأة ، ضمن عشرات الآلاف من الشهداء والمفقودين .. دون أى مراعاة للقانون الدولى الإنسانى ..
– لذلك يمكن القول إن هذه الحرب شكلت “نقطة تحول” فى تاريخ إسرائيل .. أيقظت الرأى العام العالمى من غفوته ، بعد أن ظل لعقود طويلة واقعا تحت تأثير الإدعاءات الإسرائيلية الكاذبة .. التى كانت تتحدث عن إسرائيل باعتبارها واحة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط .. فإذا بهذه الحرب تسقط هذا القناع الزائف ، وتكشف عن وجه إسرائيل القبيح ..
لقد تلطخت سمعة إسرائيل أمام العالم فى جلسات محكمة العدل الدولية فى “لاهاى” حتى أصبحت إسرائيل تعانى الآن من عزلة دولية .. كما أصبح رئيس حكومتها نتنياهو ووزير دفاعها جالانت مطلوبين بموجب مذكرة من المدعى العام بمحكمة الجنايات الدولية ..
كذلك أصبحت المظاهرات ضد إسرائيل تجوب الشوارع والميادين فى معظم مدن العالم .. أعلام فلسطين أصبحت مرفوعة فى كل مكان ..مطبوعة على الملابس،وعلى زجاج السيارات .. والهتاف لدولة فلسطين المستقلة .. أصبح موحدا بكل لغات العالم..!
وصلت عزلة إسرائيل إلى درجة أن أحد المطاعم فى مدينة بانجوك بتايلاند .. علق لافته على بابه تقول : “ممنوع دخول الإسرائيليين”! .. قال صاحبه : “لن نقدم الطعام لإسرائيليين وفى غزة الأطفال يموتون من الجوع” ..!
نبوءة أبوالغيط
الحسابات الإسرائيلية الخاطئة ، أشار إليها السيد أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية ، فى المؤتمر الصحفى الذى عقد عقب اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية منذ أيام (الثلاثاء 10سبتمبر) .. قال أبو الغيط : “إن إسرائيل فشلت فى حربها على غزة .. والمجتمع الدولى لأول مرة منذ عقود طويلة يتحول عنها .. أؤكد لكم إن الدولة الفلسطينية قادمة .. وقريبا .. إننى أراها رأى العين” ..!
* نفس هذا المعنى أكد عليه أبو الغيط فى كلمته التى ألقاها فى الجلسة الافتتاحية للاجتماع .. قال : “نسمع – نتنياهو – يقول بالأمس القريب إنه من دون السيف لا يمكن العيش فى الشرق الأوسط .. ونقول له لن يكون أمام إسرائيل بعد كل هذا القتل والتدمير سوى أن تقبل بدولة فلسطينية تعيش جنا إلى جنب مع دولة إسرائيل .. فالسيف لن يحل المشكلة ، والترويع لن يجدى مع الشعب الفلسطينى البطل ” ..!