الدكتورة خديجة حمودة تتساءل :
ماذا لو عاد ألفريد نوبل للحياة.. هل يمنح الجائزة للمرأة الفلسطينية؟
ينتظر المميزون من العلماء والأدباء ومحبى الحياة والسلام شهر أكتوبر من كل عام، حيث تعلن أسماء الفائزين بجوائز نوبل العالمية ليتسلمها أصحاب الحظ والتفوق والإبداع فى شهر ديسمبر فى حفل عالمى يشاهده العالم كله ويتوج النجاح بالوسام الذى يقلده لهم ملك السويد.
ومن المفرح والمبهج أن هذه الجائزة بفروعها تطير وتتجول وتبحث بشغف ودقة وأمانة فى جميع قارات العالم دون تمييز بين جنس أو جنسية، حيث تمنح للمتميزين وأعمالهم المميزة فى تلك الفروع من العلوم التى حددها نوبل من أجل التميز والرقى وحتى يسود السلام العالم، من أجل هذه الأهداف النبيلة أوصى ألفريد نوبل بأن توضع 94% من ثروته التى بلغت 31 مليون كرونة سويدية فى صندوق ميراث باسمه، ليتم تحويلها إلى صندوق استثمار يوزع دخله السنوى على المتفوقين فى خمسة مجالات والذين قدموا أعظم فائدة للإنسانية.
هذه الجائزة التى خرجت فكرتها للعالم عام 1895 وأقيم الاحتفال الأول لتقديمها فى عام 1901 فى الأكاديمية الموسيقية الملكية فى مدينة ستوكهولم بالسويد استمر حتى الآن، حيث لم يتوقف هذا الاحتفال السنوى سوى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان لوجودها واستمرارها حتى الآن سبب إنسانى بالدرجة الأولى، خاصة أن أحد فروعها هو «نوبل للسلام»، التى حصل عليها الرئيس الراحل السادات تكريماً له على توقيع اتفاقية السلام – كامب ديفيد عام 1978 مع إسرائيل، والزعيم الراحل عرفات بعد توقيعه على اتفاق أوسلو عام 1994، فقد كان الهدف الذى أعلنه صاحبها قبل وفاته هو تكريم مَن يبذل جهداً فى سبيل نشر الإخاء بين الأمم أو من أسهم فى تسريح الجيوش أو خفض أعدادها أو من أنشأ هيئات أو أقام مؤتمرات تروج للسلام.
ففى عام 1888 توفى شقيق العالم ألفريد نوبل، وكان يدعى لودفيغ نوبل وعند الإعلان عن الوفاة حدث خطأ فى الأسماء، فاعتقد المتابعون والإعلاميون أن «نوبل» هو الذى توفى، فكتبوا فى نعيه فى الصحف الخبر تحت عنوان: «مات تاجر الموت» ما أفزعه وخشى على سيرته التى ستتداول بعد موته، وما زاد حزنه أن صحيفة فرنسية كتبت: «توفى أمس الدكتور ألفريد نوبل الذى جمع ثروة طائلة باكتشاف طريقة أسرع لقتل أكبر عدد من الناس»، والسبب فى ذلك أنه هو من اخترع الديناميت عام 1867 ثم أقام مصنعاً للأسلحة، كما كان له دور هام فى تحويل «البوفورز» من منتج للحديد والصلب إلى شركة للأسلحة، وبرغم أن الديناميت لم يستخدم قبل وفاته، فإن هذا الاختراع ظل ينسب إليه الموت والدمار، وبسبب تأثر «نوبل» بتلك الكلمات التى تقدمت نعيه الخطأ فقد طلب من أصدقائه التوقيع على النسخة المعدلة من وصيته لتوثق فى مقر النادى السويدى النرويجى بعد انفصال السويد عن النرويج الذى أصبح اسمه النادى السويدى.
عندما توفى «نوبل» تم الكشف عن الوصية وتفاصيلها والتى رفض البرلمان السويدى فى البداية تنفيذها وحاولت الحكومة الفرنسية بسط سيطرتها على موروث «نوبل» للضرائب بعد اتخاذه فرنسا مقراً لأعماله قبل وفاته، ورغم كل تلك العقبات فإن أصدقاء «نوبل» وورثته استطاعوا إقناع البرلمان بتنفيذها، فعينت اللجنة التشريعية لجنة خاصة لمتابعة الموضوع، وتم إنشاء لجنة نوبل النرويجية فى أبريل 1897 ثم معهد كارولينسكا والأكاديمية السويدية والأكاديمية الملكية السويدية على التوالى فى يونيو من العام نفسه.
ويلمح البعض إلى أن «نوبل» عندما اختار السلام فرعاً من جائزته إلى جانب المبدعين فى الفيزياء والكيمياء والطب والأدب كان يحاول أن يعتذر للعالم كله عن اختراعه للديناميت وأن يوقف خطره على الإنسانية، وهو ما أعلنه بأن جائزة السلام تمنح للشخص الذى قام بأكثر وأفضل عمل للتآخى بين الأمم من أجل إلغاء أو تخفيض الجيوش الدائمة ومن أجل عقد السلام والترويج له، وتتكون جائزة نوبل من مبلغ مالى وميدالية ذهبية وشهادة تُمنح سنوياً فى العاشر من ديسمبر فى مدينة أوسلو عاصمة النرويج، وللحصول على هذه الجائزة لا بد من الخضوع للترشح أولاً وينبغى التنويه بأن الترشح لا يتم إلا لأشخاص على قيد الحياة، وتأتى اقتراحات الترشح لهذه الجائزة من المحاكم الدولية أو أعضاء الحكومات أو أساتذة الجامعات والذين يختصون فى مجالات التاريخ والعلوم الاجتماعية والحقوق والفلسفة والعلوم الدينية.
وعلى الرغم أنه من أول شروط الحصول على أى من جوائز نوبل أن يكون المرشح على قيد الحياة، فإن ما تقوم به المرأة الفلسطينية من دور فى هذه الحرب اللامعقولة يرشحها بلا منافس للحصول على ميدالية نوبل الذهبية والجائزة المالية، فهذه المرأة الولود التى لا تتوقف عن تقديم أبنائها فداءً للأرض والعِرض والحرية، وتترمل وتعمل وتحمل أمتعتها وأبناءها وتسير إلى المجهول لا بد أن تكرَّم، ليس على مستوى دولنا العربية، بل على مستوى العالم، وهل يمكن أن نتصور عودة ألفريد نوبل للحياة ليضيف شرطاً جديداً للمرشحين بأنه يمكن ترشيح من استشهد فى صراع مسلح أو أن ينشأ فرع آخر لجائزته يحمل اسم المرأة الفلسطينية يُمنح للمناضلات من النساء، أعتقد أن ألفريد نوبل سيوافق على أى اقتراح يكرم تلك المرأة ويمسح ذكرى اختراعه للديناميت ليصبح من عشاق الحياة والسلام بدلاً من تاجر الموت.