مئوية “المصور “.. من علمني حرفا ( 2 )
عبد القادر شهيب.. كاتب شريف
بقلم : حمدي رزق
حبا أكتب عمن أحب، ووفاء لمن يستاهل الوفاء، ورغبة حقيقة في رد الجميل لمن هم أهل للجميل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل.
مئوية “المصور” الفريدة، تحفز على الكتابة عن شيوخ “المصور” وأعلامها المقدرين، بعض من الوفاء، ردا للجميل، جميل صنيعهم، خير معلمين، من علمني حرفا..
هؤلاء المقدرين علمونا الحروف جميعا.. ووجب التعبير حبا بكلمات، بعضها سبق نشره هنا في هذه المساحة التي تفيض حبا، وكثيرها لم يسبق البوح به، لكن المئوية تحكم كما يقولون، فهنيئا لنا أن نكتب، وهنيئا لهم ما نكتب في حقهم، وحقهم فوق رءوس المحبين .
**
ضع عنوانا للكبير ” عبد القادر شهيب ” ، يلخص مهنيته وحرفيته ومشواره الصحفي الطويل، هكذا العنوان أعلاه “كاتب شريف”، والشرف في هذه المهنة قبض على جمر النار، والأستاذ عبد القادر قضى سنوات عمره (أطال الله في عمره) يذود عن شرفه المهني، وشرف المهنة ما استطاع إليه سبيلا .
درس الكبير كن شريفا ولا تبالي، سر على درب الشرفاء تصل غايتك، ويوما كتبت عنه ما أفخر به، وأحتفظ به في ” دفتر جواهر التاج” ..
مرحلة طيبة من عمري المهني قضيتها في رحاب مدرسة الاستاذ ” عبد القادر شهيب ” ، الكبير حتى ساعته فى منزلة معلمي وشيخي، وصرت شيخا ولا يزال شيخي، ويوم التقيته على هامش حوار أخير في ” الهيئة الإنجيلية ” ، تذكرت أيامنا الخوالي في مجلة “المصور”، ذكريات عبرت كما يقولون ..
**
ما جمعنا هو الاحترام، كان أستاذا رفيقا لتلميذ مزعجا، وكان رئيساً فاحترم التلميذ الذي صار رئيساً ( من بعده ) ، ولم يتغير، جمع بيننا الشعر الأبيض فصرنا شيبا، كان ولا يزال هادئا كجدول ذي خرير، وكنت عاصفا كيوم من أيام أمشير .
الأستاذ عبد القادر، كاتب من كتيبة كتاب هذه الدار المعتبرة (دار الهلال)، وراءه تاريخ طويل من العمل والأمانة والشرف، لم ينل حظه من السطوع الإعلامي الزاعق، اكتفى بالقليل، ما ينفع الناس يمكث في الأرض .
عندما انتقل الكبير إلى “دار الهلال” في ظرف مهنى ، صبر على كثير، لا هان ولا استكان ولا وهنت عزيمته الصحفية، صبغته دار الهلال برصانتها، وصقلت معدنه الأصيل، وارتكن الكبير “مكرم محمد أحمد” يرحمه الله، على كتف “عبد القادر” خير سند.
مخلصا كان، ولايزال قابضا على جمر المهنة، يمتن الحروف بسن قلم رفيع، مخزون الصبر المهني عند الأستاذ عبد القادر لا ينفذ، جمل الحمول، في كل مرة كان يثبت أدبا واحتراما في مواجهة أعتى الظروف .
قاد سفينة “المصور” في لجة بحر مضطرب، أوصلها إلى بر الأمان، وسلم الأمانة كاملة إلى أهلها، استقال بعد ” ثورة يناير ” ليفسح الطريق للشباب ، حبا في الدار وحفاظا عليها، ولم يتاجر باستقالته ولا طلب شكرا . عنوانه الدائم لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا .
سر الأستاذ عبد القادر استقامته، وشرفه ، وأمانته، أختلف مع مدرسته الصحفية الهادئة الرصينة ، لكن تحترم احترامه لمهنته، لم يتكسب من مهنته قط، ويروي عن تعففه الكثير من القصص، يعلمها زملاء أعزاء ممن في عمره المهني، وأحتفظ ببعض منها مرويات عنه ليس هو من يرويها، الكبير يخجل من الإطراء، ويأبى المديح، ويتخفي من الأضواء، ولايقول إلا ما يعتقد أنه الحق .
تاريخه في اليسار مشرف، لا خان ولا استكان، ويوم قرر السادات اعتقال الحادبين على “ثورة الخبز” في ( يناير 1977) ، كان الكبير على قائمة التحفظ مع ثلة من المقدرين وطنيا، لم يتاجر بالوسام كثائر وخارج على النظام، غيره يتاجر بساعات في السجن للاشتباه، ويقول لما كنا في السجن، أو يتفاخر بالقول، لما السادات اعتقلنا، لا يتاجر الأستاذ أبدا في الخسارة، ولم يطلب يوما نظير النضال حتى في مرضه متعفف .
**
وهو ، من هو ، من نذر قلمه لحرب الفساد منذ نعومة أظافره الصحفية في مدرسة الهواء النقي “روز اليوسف” قبل أن يغادرها إلى دار الصحافة الرصينة “دار الهلال”، حمل على كتفيه الضعيفتين عبء حرب شركات “توظيف الأموال” برز فارسا رغم ضعف بنيته، وقف ماردا في وجه أخطر عملية لنزح ثروات الفقراء، بجلابية وسبحة وبيع وهم الثراء في إعلانات ملونة تومض بالكثير .
وسجل معركته الظافرة في كتابة المهم “اختراق” نموذج ومثال للتوثيق الصحفي الأمين، أعطى زملاءه كل ذي حق حقه ولم ينقص أجر العاملين في هذا الملف الخطير، وهو ما دونه الراحل الكبير ” أحمد بهاء الدين” في عموده، يوم ضن نفر من المرجفين على ” فريق عبد القادر ” في ” روزاليوسف ” بجائزة صحفية مستحقة ، فنال جائزة البهاء ( بهاء الدين ) فى عموده فى ” الأهرام ” ، ومثلها من ” أخبار اليوم ” جائزة الكبيران ” مصطفى وعلى أمين ” مؤمنين على صدقية هذه الحملة الصحفية الباهرة .
الكاتب الصحفي ” عبد القادر شهيب ” ينطلق في رسالته الصحفية من أرضية يسارية، تؤمن بالعدالة الاجتماعية، وحق الفقراء في الغذاء والدواء والكساء، ويخشى على المهمشين أن يدهمهم برد الشتاء وهم لا يملكون ما يستر عريهم، ويتعذب مع مساكين المرضى أن تشدد عليهم عذابات المرض وهم أحوج ما يكون إلى حبة برشام .
ومن الأمانة أن أعترف بتقصير في حق هذا الرجل الذي كان يفرمل الجموح، ويرشد الطموح، ويمتن الحروف، أذكر قلمه “الرينولدز” ذي السن الرفيع، وحروفه الصغيرة، وتأكيده على النقاط فوق الحروف حتى لا تشيه، ويضيع المعنى.
للأسف ضاعت المعاني، وبقى المعدن، معدن نفيس، الكاتب الكبير يكتب جوارنا في مجلة ” المصور ” العريقة التي تحتضن هذه السطور، ونعم السطور يكتبها شهيب، فاقرأوا سطوره جيدا إذا كنتم عازمين على حرب الفساد.