محل نقاش ..
منصة لخلط الأوراق .. !
——————————-
السيد هانى …
——————————-
تابعت مساء أمس .. الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ .. حلقة من برنامج “محل نقاش” .. الذى تقدمه المذيعة رشا نبيل على قناة العربية .. وكان موضوع الحلقة يدور حول تقييم فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر .. ما له .. وما عليه ..!
استضافت المذيعة كل من الفنان الكبير حسين فهمى ، والمخرج خالد يوسف .. للحديث عن هذا الموضوع ..
ولو كانت المذيعة قد أدارت الحوار معهما حول موضوع السينما والفن فى عهد عبدالناصر .. لأصبح الحوار مفيدا بلا شك لمشاهدى البرنامج ..
لكنها ادارت الحوار معهما حول تجربة عبدالناصر ككل .. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .. فجاء الحوار ضعيفا .. يغلب عليه الكلام المرسل .. كالذى يقال على المصاطب فى الأرياف ..!
ومع كل الإحترام لوجهات نظر الأستاذين حسين فهمى وخالد يوسف .. التى يجب أن تظل فى النهاية وجهات نظر شخصية .. تفتقد أحيانا إلى الموضوعية فى الطرح ؛ وتنحاز إلى “العاطفة” .. فقد امتلأ الحوار بمغالطات كثيرة .. واختلطت فيه أوراق التاريخ بشكل مستفز .. !
لذلك قررت أن أعلق على بعض ما جاء فيه .. حتى لا تمر المغالطات مرور الكرام .. فيسمعها الناس وتترسخ فى أذهان البعض كحقائق تاريخية .. لا سيما أنها وردت على لسان أسماء كبيرة .. كانوا يتحدثون على شاشة قناة محترمة تحظى بمتابعة الملايين من المشاهدين ..
* فى حديث الأستاذ حسين فهمى .. اعتبر أن من أخطاء عبدالناصر دخولنا حرب اليمن ..
* فرد عليه الأستاذ خالد يوسف مشيدا بحرب اليمن .. وقال : “لولا دخولنا حرب اليمن .. لما استطعنا إغلاق باب المندب فى حرب ٧٣” .. وهذا خلط للأوراق .. مرفوض .. ولا يجب أن يمر .. لأن إغلاق مضيق باب المندب فى حرب ٧٣ قامت به قوات البحرية المصرية .. ولم تكن تستطيع أى قوة فى المنطقة .. يمنية أو غير يمنية .. منع قوات البحرية المصرية من إغلاق مضيق باب المندب .. وقد ظل هذا الإغلاق مستمرا عدة شهور بعد انتهاء حرب ٧٣ .. لمنع إسرائيل من حصولها على احتياجاتها من النفط الذى كان يأتى إليها من إيران ..!
* أما إذا أردنا تقييم حرب اليمن .. فلابد أن نقرأ شهادة الفريق أنور القاضى قائد القوات المصرية فى اليمن فى الفترة من أكتوبر ١٩٦٢ إلى نوفمبر ١٩٦٣ .. التى أدلى بها فى حواره مع رئيس تحرير مجلة “آخر ساعة” ونشر بالعدد الصادر يوم ٨ يونيو ١٩٨٨ .. وأعاد نشرها المشير محمد عبدالغنى الجمسى فى مذكراته بصفحتى ٣٣ و٣٤ .. فى هذه الشهادة يقول الفريق القاضى إنه فى مقابلة له مع الرئيس عبدالناصر فى مايو ١٩٦٣ شرح له الصورة الحقيقية للموقف فى اليمن .. وكان رأى الفريق القاضى الذى أبداه “إحنا عملنا اللى علينا وأكثر . ولابد أن ننسحب بأسرع ما يمكن من هذا الفخ” .. ولكن الرئيس عبدالناصر قال “الانسحاب بقواتنا مش ممكن .. معنى كده انهيار ثورة اليمن .. والعملية سياسية أكبر منها عسكرية .. أنا اعتبر أننا وجهنا ضربة مضادة لضربة الانفصال فى سوريا ، ولا يمكن أن نترك اليمن” ..!
* لعل شهادة الفريق القاضى هذه تؤكد وجهة النظر التى تقول إن عبدالناصر ذهب إلى اليمن ليحارب السعودية .. ردا على دورها فى دعم الإنقلاب العسكرى فى سوريا الذى وقع فى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١ بقيادة الرائد عبد الكريم النحلاوى (مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر فى دمشق) وأدى إلى انفصال سوريا عن مصر ..
* لعل الحديث عن حرب اليمن يجعلنى أعود بالذاكرة إلى زيارة قمت بها إلى اليمن فى عام ١٩٩٢ .. التقيت خلالها بالسفير المصرى فى اليمن ذلك الوقت .. وهو السفير عطا هارون (رحمه الله) .. الذى أحسبه أحد أعظم السفراء المصريين الذين قابلتهم .. علما وخلقا ودبلوماسية .. كان الرجل يعانى آلام شديدة من مرض غامض .. فكان يستقبلنى فى غرفة نومه ممددا فى الفراش .. رغم ذلك فقد أصر الرجل على إقامة مأدبة عشاء فى منزله احتفاء بى .. وتحامل على نفسه لكى يجلس على أحد المقاعد ويشاركنى العشاء على “السفرة” .. دون أن يشعرنى بأنه يتألم .. ثم أخذ يشرح لى الأوضاع السياسية فى اليمن .. وامتد الحديث بيننا إلى نشاط السفارة .. حتى فوجئت به يقول “لقد قمنا بطلاء مقابر الجنود المصريين وتجديدها” .. قاطعته قائلا : “وهل الجنود المصريون لهم مقابر هنا” .. قال : “نعم .. الجنود المصريون الذين استشهدوا هنا أثناء حرب اليمن .. ٣٠ ألف جندى .. توجد مقابرهم فى منطقتين بالعاصمة صنعاء” ..
* كانت هذه هى أول مرة أعرف أن عدد الجنود الذين خسرتهم مصر فى حرب اليمن ٣٠ ألف جندى .. !!
* تذكرت أن من بينهم خمسة من أبناء قريتنا بمحافظة الشرقية .. من بين الخمسة المدرس الذى كان يقوم بالتدريس لنا فى الفصل الأستاذ عبدالشفيع منصور (رحمه الله) ..!!
* * *
من أكثر المغالطات التى وردت فى هذه الحلقة أيضا من برنامج “محل نقاش” .. على لسان المخرج خالد يوسف ..
قوله : “لولا ان السادات قال إن ٩٩% من أوراق اللعبة فى ايد أمريكا .. لما قتل فى غزة اليوم ٤٠ ألفا” ..
الحقيقة .. عندما ينحدر الحوار إلى هذا المستوى من السطحية فى الطرح .. يصبح لا يستحق التعليق عليه ..!
لكن لأن البعض مازال ينتقد فى السادات مقولته إن ٩٠% من أوراق اللعبة فى ايد أمريكا ..
أقول لهم :
لقد أثبت التاريخ أن السادات كان صائبا عندما أدرك أن ٩٠ % من أوراق اللعبة فى ايد أمريكا .. لقد خاض السادات اللعبة على هذا الأساس وخرج منها فائزا .. حصل على كل ما يطلبه .. أعاد سيناء كاملة .. لا تنقصها حبة رمل واحدة .. بينما خسر الذين خالفوه كل شئ ..!
لقد هاجم البعض السادات لذهابه إلى كامب ديفيد وتوقيعه اتفاقية سلام مع إسرائيل ..
هنا لابد أن أشير إلى مقولة د. أسامة الباز ردا على منتقديه .. قال : “لقد سبقنا عبدالناصر إلى كامب ديفيد بعشر سنوات”..!
توضيح ذلك يستدعى ان نذكر بأن الرئيس عبدالناصر (رحمه الله) قبل بقرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ .. والقبول بهذا القرار يعنى القبول بحق إسرائيل فى الوجود كدولة فى المنطقة داخل حدود آمنه .. لأن القرار ينص على ذلك .. نفس الشئ بالنسبة لمبادرة وزير الخارجية الأمريكى روجرز التى قبل بها عبدالناصر ..
هنا لابد أن أتوقف وأشيد بالرئيس جمال عبدالناصر .. لشجاعته .. وقبوله بالقرار ٢٤٢ ومبادرة روجرز .. (لم يركب دماغه) ويستمر فى مسألة إلقاء إسرائيل فى البحر .. لأنه أدرك أنها مستحيلة .. فقبل بالقرار والمبادرة .. وقد تعرض بسبب ذلك لهجوم وصل إلى درجة الوقاحة من بعض الشخصيات الفلسطينية .. حتى أنه اضطر إلى إغلاق إذاعة فلسطين فى القاهرة .. فى أغسطس ١٩٧٠ .. قبل وفاته بشهر واحد ..!!
هكذا .. فإن عبدالناصر الذى عاش حياته كلها يناضل من أجل القضية الفلسطينية .. اضطر فى أواخر أيامه إلى اغلاق إذاعة فلسطين فى القاهرة .. لوقف سيل الشتائم التى انهالت عليه من الفلسطينيين بعد إعلانه قبول مبادرة روجرز ..
لابد أن نسجل هنا تحية إكبار وتقدير لهذا الزعيم العظيم جمال عبدالناصر .. الصادق مع نفسه .. الذى عاش طول عمره رحلة كفاح من أجل شعبه وأمته ..
ولعل من أصدق ما قيل عنه جاء من أحد خصومه .. الرئيس السورى نور الدين الأتاسى .. الذى نعى عبدالناصر يوم وفاته بالقول : “الرجل الذى كان يخطئ ويصيب من أجل