هنيئا لكوريا انتصار الديمقراطية على الفوضى
كمال جاب الله
من بين آلاف البرقيات، اخترت أن أتوقف -باحترام- أمام تصريح متزن، أدلى به رئيس الجمعية الوطنية الكورية، أو وان شيك، جاء فيه نصا: “البرلمان هو المعقل الأخير للديمقراطية في بلادنا، لحماية النظام الدستوري جنبا إلى جنب مع الشعب”.
بعد تصويت البرلمان -بالإجماع- في وقت مبكر من صباح أمس -الأربعاء- على قرار برفع الأحكام العرفية، أوضح رئيس الجمعية الوطنية قائلا: ” شهدت كوريا -أيضًا- نضج الجيش، حيث انسحبت القوات المسلحة من البرلمان، عقب التصويت ضد إعلان الرئيس، وسيجري اتخاذ جميع التدابير اللازمة للخروج من حالة الفوضى”.
قصة النهج الديمقراطي على ضفاف نهر الهان، تناولتها -تفصيلا- في كتابي الصادر العام الماضي، 2023، بعنوان: كوريا.. الحرية والابتكار، وفي الفصل الثالث والأخير أكثر من مائة صفحة للحديث عن “دولة الشفافية وسيادة القانون”.
المفارقة أني كنت أعد العدة لكتابة مقالي الجديد متضمنا ما رصدته طوال أسابيع، عما يمكن وصفه بدروس كورية في النزاهة والشفافية، وسيادة القانون، لتأتي خطوة الرئيس يون صوك-يول، المفاجئة، بإعلان الأحكام العرفية، متهمًا أحزاب المعارضة بشل حركة البلاد، والضغط لعزل مسئولين حكوميين، وخفض الميزانية.
بكل المقاييس، لم يكن إعلان الأحكام العرفية ليس -فقط- مفاجئًا، بل صادم -أيضًا- لكل شرائح المجتمع الكوري الجنوبي، وتجاوزت الصدمة، المدوية، الحدود لتصبح إقليمية ودولية، لأنها كانت المرة الأولى، التي تعلن فيها سول، من حيث المبدأ، وبدون أية مقدمات، تطبيق الأحكام العرفية، منذ بدء النظام الديمقراطي عام 1987.
بالطبع، فإن خطوة الرئيس يون المفاجئة، حبلى بالكثير من التطورات الداخلية، التي سوف يمر بها المشهد السياسي بكوريا الجنوبية، وفي كل الأحوال، هي أزمة متعددة الأبعاد، وهي شأن داخلي -بحت- سيجري حسمها -كما شهدنا- ديمقراطيًا، غير أنها ستخضع -عن كثب- لمراقبة إقليمية ودولية، لما تتمتع به سول من موقع متميز فيما يسمى بخارطة العالم الحر، وفي ضوء أوضاع ملتهبة بشبه الجزيرة الكورية.
حسابات الرئيس الكوري الجنوبي يون من المؤكد أنها تضع في الاعتبار حزمة من الملاحقات الجنائية لرؤساء سابقين، وقد مروا -جميعهم- بتجارب مريرة، لكنهم امتثلوا لسيادة القانون، في ضوء تطبيق حرفي قاس لكل معاني النزاهة والشفافية.
ضمن التدابير -التي نوه إليها رئيس البرلمان للخروج من حالة الفوضى السياسية الراهنة بكوريا- يتعرض الرئيس يون لهجمة سياسية شرسة من جانب أحزاب المعارضة، مطالبة بعزله أو اتهامه بالخيانة، وذهبت لحد وصفه بأنه لم يعد رئيسًا.
المعارضة الكورية دعت الرئيس يون للتنحي عن منصبه بإرادته، أو سيجري الإعداد لتصويت ثلثي أعضاء البرلمان (المكون من 300 عضو) لعزله، علمًا بأن أحزاب المعارضة تشغل الأغلبية بـ 192 مقعدًا، وتحتاج -فقط- لدعم 8 آخرين.
في عام 2018، اندلعت مظاهرات حاشدة ضد الرئيسة الكورية السابقة، بارك جيون-هاي (2013-2017)، وطالب المشاركون فيها بتقديم استقالة فورية، بعد إدانتها في قضية فساد وإفشاء أسرار الدولة، وقضت في السجن 5 سنوات.
في عام 2020، أيدت المحكمة الكورية العليا حكم محكمة الاستئناف بسجن الرئيس الكوري الأسبق لي ميونج باك (2008-2013) لمدة 17 عامًا بتهم تتعلق بالفساد.
في 2009، عثر على الرئيس الكوري روه مو-هيون (2003-2008) ميتا/منتحرًا، بعد اتهام شقيقه في قضايا جنائية تتعلق باختلاس أموال حكومية واستثمارية.
في عام 1996، جرت محاكمة الرئيس الكوري الأسبق روه تاي-وو(1988-1993)، بتهم المشاركة في انقلاب 1979، وتلقي رشاوي من رجال الأعمال.
في عام 1995، جرى اعتقال الرئيس الكوري الأسبق تشون دو-هوان (1980-1988) بتهم تنظيم انقلاب عام 1979 والفساد والتحريض على الفتنة والقتل العمد.
هذه القائمة الطويلة/العريضة من الاتهامات والأحكام بالسجن لرؤساء كوريين سابقين، وإن كانت تبدو لافتة ومشينة للكوريين أمام الرأي العام الخارجي، إلا أنها -بالقطع- تعد إحدى الممارسات (أو التدابير للخروج من حالة الفوضى وفقًا لتعبير رئيس الجمعية الوطنية) للنهج الديمقراطي الكوري، وتفعيل أعلى درجات النزاهة والشفافية وسيادة القانون، على جميع أفراد الشعب الكوري، بمن فيهم الرئيس السابق أو اللاحق. ترى ما الذي تخبئه الأقدار للرئيس الحالي يون صوك-يول؟