سانتا كلوز في مؤتمر إعمار غزة
خديجة حمودة
أيام قليلة ونستقبل العام الجديد ٢٠٢٥، وقبل أن نستمع لدقات الساعة تعلن منتصف الليل وميلاده، سنرى ونسمع عن هدايا سانتا كلوز الذى ينتظرها أطفال العالم كل عام ليحقق لهم أحلامهم الوردية.
وتقول الأساطير التى قرأناها وحكينا عنها لأبنائنا كما سمعناها من الجدات والأجداد قديماً إن سانتا كلوز أو بابا نويل يعيش مع زوجته السيدة كلوز بمنزل فى القطب الشمالى وبرفقته الأقزام الصغيرة التى تعمل طول العام فى إعداد هدايا العيد.
وقد اعتاد الأطفال أن يكتبوا له رسائل عن أمنياتهم وأحلامهم ويقضوا الليالى التى تسبق عيد الميلاد فى انتظاره بحقيبته التى يحملها خلف ظهره وعربته التى يجرها له حيوان الرنة، وتقول الأسطورة الحالمة الرومانسية إن الأطفال عندما يرسلون خطاباتهم يرسلون اللبن لسانتا كلوز وزوجته والجزر لحيواناته فى لمسة طفولية عاطفية ناعمة من عالم البراءة والأحلام.
والقصة الحقيقية لهذه الشخصية هى قصة القديس نيكولاس وهى أسقف ميرا وعاش فى القرنين الثالث والرابع الميلادى، وقد اعتاد القديس نيكولاس توزيع الهدايا على الفقراء أثناء الليل ولعائلات المحتاجين دون أن يعرفوا من هو الفاعل، وصادف أن توفى فى شهر ديسمبر، أما الصورة المعروفة له، بدلته الزاهية ولحيته البيضاء وحقيبته وحذاؤه وعربته، فقد ولدت على يد الشاعر الأمريكى كليمنت كلارك مور الذى كتب قصيدة عيد الميلاد (the night before christmas) عام ١٨٢٣، ليغنيها العالم كله حتى الآن فى استقبال الفجر الجديد كل عام.
وقد ضمت أحلام أطفال هذا العام خطابات مختلفة تماماً عن المعتاد، وتضمنت كلمات وتعبيرات لم يعرفها عالم الطفولة من قبل، ومثلها كانت الأحلام الموجعة، فهناك من طلبوا خبزاً بزعتر وبرتقالاً يافاوياً وزيتوناً وألباناً للرُّضع، وثياباً تحميهم من صقيع الشتاء، وخياماً لا تخترقها مياه الأمطار ومعها مدفئة لكل أسرة، وموقداً لإعداد الطعام وحلوى للصغار، ومسكنات لآلام المرض والفقد والضياع وسط الأطلال.
ويبدو أن سانتا كلوز قرر احتراف السياسة وحضور المؤتمرات والانضمام للمنظمات العالمية والجمعيات الأهلية والمدنية وقوات حفظ السلام لإعادة إعمار ما دمره العنف والحرب.
ففى القاهرة شارك فى مؤتمر إعادة إعمار غزة الذى عقد منذ ساعات ممثلاً لأطفال غزة وأحلامهم وأمنياتهم للعام الجديد، فما كان منه فور دخوله القاعة إلا أن يعلن على لسان الرئاسة الفلسطينية عدم قبول استمرار الاحتلال ويطالب إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة فوراً والانسحاب الكامل من الضفة الغربية وعلى رأسها القدس الشريف، وشدد على ضرورة أن تقام دولة فلسطينية على هذه القاعدة وهذه الأسس وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
ويبدو أن سانتا كلوز قد راقت له لعبة السياسة؛ فبدأ فى إطلاق تصريحات نارية للحضور فوصف المؤتمر بأنه مهم وضرورى وطالب بتنفيذ ما جاء فيه من تعهدات، وضرورة أن تقدم إسرائيل تسهيلات حتى لا تتم إعاقة الشروط التى على أساسها ستتحرك عملية إعادة الإعمار، ووصف مواقف الدول المشاركة المالية بأنها كانت مشجعة، وتمنى أن تتقدم المسيرة السياسية لعملية السلام.
وقد أثارت كلمات سانتا كلوز الحضور، خاصة عندما تحدث عن خسائر تلك الحرب، وأكد أن جميع القطاعات قد تضررت وأن قطاع الإسكان وحده يحتاج إلى ٨٫٤ مليار دولار لإعادة بناء ٢٤٠ ألف وحدة سكنية، وإزالة الركام الذى تصل تكلفته إلى ٢٠٪ من قيمة البناء. وأعلن سانتا كلوز أن عملية حصر الخسائر فى قطاع غزة ستستغرق ٦ أشهر على الأقل وأن قضية إيواء النازحين من أهم القضايا التى تجب مواجهتها حتى لا تتكرر تجربة عام ١٩٤٨.
وقد تحدث سانتا كلوز فى سابقة هى الأولى التى تراها مثل تلك المؤتمرات عن الخطابات التى وصلته من أطفال غزة وأريحا والخليل وبيت لحم وحيفا ويافا ونابلس والقدس وأحلامهم المشروعة، والتى لوّنتها قسوة الأحداث والأيام بلون الدماء، وأضافت إلى قاموسهم كلمات وتعبيرات لم يعرفوها من قبل ومشاعر أطاحت بأمانهم النفسى، يطالبون بالثأر لأصدقائهم الذين استشهدوا والآخرين المصابين الذين لا يجدون علاجاً داخل مدنهم المدمرة ومستشفياتها التى خرجت من الخدمة، ويطالبون بتوفير الغذاء لهم حتى لا يهلكوا من هذا الشتاء القارس، ويسألون: هل سيعيد السلام من غابوا ورحلوا ويغير موقف العالم من هذه الأحداث؟ الإجابة ستكون فى حقيبة سانتا كلوز ليلة العام الجديد.