لا لمزيد من “الهيباكوشا” مرة أخري
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
بعد غد الثلاثاء 10 ديسمبر، يتسلم ممثلو اتحاد اليابان لمنظمات ضحايا القنابل الذرية والهيدروجينية، نيهون هيدانيكو، جائزة نوبل للسلام (2024)، والعام المقبل 2025، يوافق مرور 80 عامًا على القصف الذري لهيروشيما وناجاساكي.
الناجون من القنبلتين الذريتين، المعروفون باسم “هيباكوشا”، شكلوا اتحاد نيهون هيدانيكو عام 1956، وعلى مدار سبعة عقود، تقريبًا، دأبوا على مناشدة العالم للقضاء على الأسلحة النووية، وتقديم الدعم لمن تعرض منهم لآثار القصف الذري.
في عام 2017، نجحت نيهون هيدانيكو في جمع 3 ملايين توقيع دعمًا لمعاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تحظر -قانونًا- تطوير وامتلاك واختبار واستخدام الأسلحة النووية، ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في عام 2021.
أحد الأسباب التي استندت إليها لجنة نوبل لمنح الجائزة لاتحاد منظمات الناجين، يتعلق بجهود نيهون هيدانيكو (من خلال روايات الشهود) لتحقيق عالم خال من الأسلحة النووية، وإظهار أنه يجب ألا تستخدم الأسلحة النووية مرة أخرى.
الرئيس المشارك لاتحاد الناجين اليابانيين، تاناكا تيرومي (92 سنة)، كان عمره 13 عامًا، وشهد القصف الذري المدمر لمدينة ناجاساكي، أعلن أنه سيلقي خطابًا أمام مراسم تسليم الجائزة بعد غدٍ، يتناول فيه العواقب الوخيمة للقصف الذري.
يستهدف خطاب السيد تاناكا إثارة المشاعر الإنسانية بضرورة القضاء على الأسلحة النووية في جميع أنحاء العالم، من خلال تقديم شهادته كـ ناج من القصف، ووصفه الدقيق لما رآه بعينيه لحجم الضرر الكبير الذي تسببه الأسلحة النووية.
مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، دان سميث، أعلن أن منح الجائزة للناجين من القنبلتين الذريتين اختيار رائع من حيث التوقيت، لأن العالم يعيش وضعًا خطيرًا، وظهور الناجين علنا، سيذكر الزعماء بمسئولياتهم الأخلاقية.
لجنة نوبل النرويجية أشارت-بدورها- إلى أن “هناك تهديدات باستخدام أسلحة نووية في حروب جارية”، رئيس اللجنة يورجينفريدنيس أوضح أن التهديد الحالي بالأسلحة النووية يحتم الاستماع إلى أصوات الناجين من القصف الذري.
لتغطية نفقات مراسم تسلم الجائزة، تلقت منظمة نيهون هيدانيكو تبرعات عبر التمويل الجماعي تزيد على ثلاثة أمثال المستهدف وهو 10 ملايين ين (أي حوالي 66 ألف دولار)، وجمعت المنظمة- في يوم واحد- 36 مليون ين من 4300 متبرع.
الناجون من القنبلة الذرية في اليابان أعدو منشورات تحمل رسائل سلام عاجلة ليتم توزيعها بالعاصمة النرويجية أوسلو، تزامنا مع حفل تسليم جائزة نوبل للسلام.
في أحد مكاتب نيهون هيدانكيو بمدينة ناجاساكي، قام الناجون بطي ورق أوريجامي على شكل طيور الكركي، لإلصاقها بكل منشور سيجري توزيعه في أثناء الحفل، وتحمل المنشورات-عموما- رسائل مثل: “لا مزيد من الهيباكوشا” وأخرى تؤكد استحالة التعايش بين الأسلحة النووية والبشرية، كما تحتوي المنشورات-كذلك- على ترجمات لخطب وتصريحات ألقاها كل من: ياماجوتشي سينجي،وتانيجوتشي سوميتيرو، وكلاهما نجا من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناجاساكي.
في عام 1982، أصبح الناجي الياباني ياماجوتشي سينجي- وقتها كان عضوًا في لجنة تمثيل نيهون هيدانكيو- أول ناج من القصف الذري، يقف على منصة الأمم المتحدة، وكان في الرابعة عشرة من عمره، عندما تعرض للقصف الذري في ناجاساكي. وفي كلمته -المفعمة بالعواطف الجياشة- بالأمم المتحدة، أطلع الحضور -من مختلف أنحاء العالم- على صورة فوتوغرافية للحروق التي أصابته جراء القصف المدمر، وأصدر النداء الباقي بأذهان الكثيرين “لا لمزيد من هيروشيما، لا لمزيد من ناجاساكي، لا لمزيد من الحروب، لا لمزيد من الهيباكوشا مرة أخرى”.
الخبير الإعلامي الياباني كاموشيدا جو يوضح أبعاد التهديد النووي المتسارع، مشيرًا إلى أنه منذ بدء الحرب الروسية-الأوكرانية قبل عامين، هددت موسكو –مرارًا- باستخدام أسلحة نووية، كما أجرت تدريبات تفترض استخدام أسلحة نووية تكتيكية، وفي شهر سبتمبر الماضي طرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،مسودة تعديل للمبدأ النووي لكي يخفض العتبة فعليا أمام استخدام الأسلحة النووية.
يضيف: صدر من وزير في إسرائيل -التي تعد قوة نووية فعليًا- تصريحًا يبدو أنه يعتبر أن أحد الخيارات في الحرب ضد حماس قد يكون القصف النووي بقطاع غزة.
وفي إيران -التي تبدو أنها تقترب من حرب مع إسرائيل- يدعو المتشددون لتطوير الأسلحة النووية كإجراء مضاد مقابل إسرائيل، في الوقت نفسه، تتجاهل كوريا الشمالية قرارات مجلس الأمن الدولي وتمضي قدمًا في برامج تطويرها النووي والصاروخي، كما لو كانت تنتهز فرصة انقسامات القوى داخل مجلس الأمن.
أيضا، وصلت المناقشات بين الموقعين على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية -التي أصبحت إطار عمل نزع السلاح النووي- إلى طريق مسدود. وفشل مؤتمر مراجعة المعاهدة في تبني وثيقة إجماع مرتين، في عامي 2015 و2022، وتعطلت مسيرة نزع السلاح النووي الدولية.
وفقًا لوزارة الصحة اليابانية، يبلغ عدد الأفراد الباقون على قيد الحياة حتى نهاية مارس الماضي، وتعرضوا للقصف الذري، حوالي 106825 ناجيًا، ومتوسط أعمارهم يبلغ 85.58 سنة، وفي الماضي، كانت تتوفر منظمة للناجين بكل محافظة يابانية، ولكن ما يقرب من 11 منظمة من تلك المنظمات إما أغلقت أبوابها أو علقت أنشطتها.
في اجتماع سنوي دوري لنيهون هيدانكيو خلال شهر يونيو الماضي، تحدث أحد المشاركين، قائلا: “من أجل استمرار الحركة في ظل تقدم الناجين من القصف الذري في العمر، من الضروري إشراك الجيل الثاني من الناجين ومؤيديهم”.
أعرب الأعضاء عن التزامهم بسياسة “تعميق المناقشات عن مستقبل الحركة بعد رحيل الناجين من القصف الذري، في الوقت نفسه، يستمر جيل الشباب، ومن بينهم تلاميذ المدارس، الذين يعملون كسفراء سلام، في أنشطتهم.
يقول المعلق الإعلامي الياباني كييوناجا ساتوشي “إن أعضاء الهيباكوشا يعلقون آمالهم على معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ منذ 3 سنوات، إلا أن طوكيو لم تصادق بعد على المعاهدة ولم تشارك في مؤتمر الأطراف”.
يضيف قائلا: “الآن، وبمناسبة جائزة نوبل للسلام المرموقة لعام 2024، حان الوقت لكي تستمع الحكومة اليابانية إلى أمنيات التخلص من الأسلحة النووية، والجهود الطويلة من أجل هذا الهدف.