حمدي رزق
صناع السعادة
يغبطنى منولوج «السعادة»، من كلمات «أبوالسعود الإبيارى»، وغناء «إسماعيل ياسين»، ومنها «كلنا عايزين سعادة/ بس إيه هى السعادة / ولا إيه معنى السعادة / قوللى يا صاحب السعادة/ قوللى .. قوللى»..
دعك من حكى المنجمين فى مطلع عام جديد، واسمع إسماعيل ياسين، كذب المنجمون ولو صدقوا، تفاءلوا خيرًا تجدوه، والتفاؤل مصدر السعادة، المادة الخام للسعادة، أخشى التفاؤل «الفريضة الغائبة» عن كثير، ولهذا أسباب شرحها يطول.. لطيب الذكر الروائى الفلسطينى «إميل حبيبي» رواية ساحرة ساخرة صدرت عام 1974، تحمل عنوانا طويلا وغريبا، «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل»، وتعرف باختصار رواية «المتشائل».
يعنينا الاسم، توليد بين التفاؤل والتشاؤم، كيف مزجها وصنعها الروائى الأريب، هذه حكاية لا يحتملها المقال. فقط نتوقف هنيهة عند اللفظ الهجين، «المتشائل»، وهو شخص يجمع فى روحه بعضا من التفاؤل، وقدرا من التشاؤم، ما يعنينا قدر التفاؤل فى المزيج الإنسانى، التفاؤل يهبك حياة أخرى، مذاقا آخر، إنسانا متفائلا تترجم قدرة على احتمال مصاعب الحياة بروح مستبشرة. يلزمك التفاؤل طريقا للسعادة المرتجاة، بشريات تحملها الأيام،
ومن لزوميات ما يلزم الأخبار الطيبة، وللأسف الزاد من الأخبار البيضاء شاحح فى الأسواق، سيما فى الفضاء الإلكترونى الذى تهب منه عواصف رعدية تخلف أمطارا سوداء تغرق الطيبين، تنكد عليهم ، وتسود الحياة فى وجوههم. النفسية فى حاجة ملحة إلى أخبار تسر الطيبين، وترفع معنويات المحبطين، وترفه عن المتعبين، وتربت على ظهور الكادحين، وتبشرهم، لا تتركهم أسرى طائفة من الأخبار السوداء، تهب عليهم كرياح الخماسين ساخنة تلفح الوجوه.
آبار السعادة لم تنضب بعد، والاحتياطى الاستراتيجى من مخزون السعادة كاف، ويفيض، وحفر آبار السعادة مهمة المؤتمنين على سلام هذا الوطن، وبين ظهرانينا مبشرون، مهمتهم فى الحياة توزيع السعادة كالحلوى على المتعبين، هؤلاء لا بد أن يمكنوا من «الخطاب العام» فى سياق تجديد الخطاب المجتمعي. أخشى لم نعد نرى وجوها باسمة، وكأنه مكتوب علينا أن نطالع وجوه أهل الشر ، يقتحمون علينا خلوتنا عبر أجهزة المحمول التى باتت مصدرا رئيسا لحالة التشاؤم التى تغشى الوجوه، تخلف كآبة، وجوه عليها غبرة ترهقها قترة، يعلوها سواد. يجولون ببضاعتهم المسمومة فى الفضاء الإلكترونى، صوتهم عال يقلق راحة الطيبين.
مقترح «وزارة السعادة»، المسئولة عن إسعاد الطيبين، يبدو الحكى غريبا على الأسماع، فى الجوار الخليجى سمعنا عن هذه الوزارة، وصارت محلا للتندر ، وزارة حياتية، تتفنن فى التخطيط لإسعاد الطيبين، وتصدر عنها خطط ممنهجة لإشاعة التفاؤل، وهش الغربان السوداء والحِدآن عن شجر الوطن. ليست بدعة حتى البدعة الحسنة لنا فيها نصيب، وحتى النكتة القديمة ترسم على الوجوه شبح ابتسامة، ولكنها مطلوبة ترطب حرور الحياة.
وجوه المتحدثين فينا ومنذ عقود خلت، يلونها التشاؤم المفرط، وكلما كان التشاؤم بزيادة راجت بضاعتهم. التفاؤل كالتشاؤم مُعد، وكلما زادت معدلات التفاؤل تحسنت نفسية الطيبين، وعندما ترتفع المعنويات، تزيد معدلات التفاؤل، العدوى التشاؤمية تستوجب كمامات مضمخة بأوكسجين التفاؤل. وحتى لا يذهب البعض الظنون، المصريون قدريون، وهذا من طبائع الشعوب المحبة للحياة، والرضا بالنصيب والقسمة والمكتوب يخفض منسوب التشاؤم، ويرفع مستويات التفاؤل العام، ولكنهم فى التحليل الأخير عاطفيون يتأثرون بالأخبار السوداء، وهذا يستوجب رفع معدلات الأداء الحكومى فى خطاب المصريين، أداء يؤديه مستبشرون فى تصدير التفاؤل دون مبالغات تقلب عكسا فى المستقبل القريب.