تحت الصفر
د. خديجة حمودة
هيا نلملم أنفسنا ونجمع مشاعرنا لنقيم منها حائط صد يحمي أحبابنا وصغارنا من قسوة الأيام، وأصوات القذائف ورياح الشتاء، التي تأخذ في طريقها خيامهم وفراشهم وطعامهم وأحلامهم لتقصفها في مياه البحر، هيا ونحن نستقبل العام الجديد، نبحث عن طريق آمن وسريع نصل من خلاله للرضع وصغار غزة، لنحتضنهم ونقيهم من برودة الطقس وقسوته ونبعدهم عن مياه البحر الغاضبة.
لأنه من المؤكد والواضح الذي لا يقبل مجالا للشك أنّ هذه المياه كشرت عن أنيابها بعد أن كشف تقرير للأمم المتحدة أن النساء والأطفال يشكلون قرابة 70% من الشهداء جراء الحرب الإسرائيلية على غزة.
كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن 7 أطفال ماتوا بسبب البرد القاسي وموجات الصقيع في الأيام الأخيرة بغزة مع نقص الاحتياجات اليومية بشكل كبير، كما عثر الأهالي قبل عدة أيام على جثة الممرض أحمد الزهراني متجمدة من شدة البرد في خيمته التي نزح إليها بمنطقة المواصي غرب رفح جنوبي قطاع غزة.
فقد لفت التقرير إلى ما سماه الواقع المروع الذي يعيشه سكان القطاع منذ 7 أكتوبر 2023، مشيرا إلى أنّ عمليات قتل المدنيين وانتهاك القانون الدولي التي قد ترقى أحيانا إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وحتى الإبادة الجماعية وصلت لمستوى غير مسبوق.
وقد علمتنا هذه الحرب أن نبكي على عجزنا عن حماية الصغار والرضع، فقد جفت صدور أمهاتهم جوعا وحزنا وهلعا ولم تعد قادرة على إشباعهم وإطعامهم أو حتى احتضانهم لأنها تعاني هي نفسها من انخفاض درجة حرارة جسمها.
ويؤكد الأطباء أن درجة حرارة الجسم الثابتة مهمة جدا لنشاط وعمل أجهزة الجسم السليم والذي يرتكز على التفاعلات الكيميائية والإنزيمية، فعند التعرض للبرد يحافظ الجسم على درجة الحرارة المطلوبة بواسطة زيادة معدل الأيض في الجسم وتقليص الدم إلى الأسلحة المحيطة.
مثل الجلد والأطراف، إضافة إلى الارتجاف shivering.
ويعرف انخفاض الحرارة طبيا بأنه هبوط في درجة الجسم التي يتم قياسها إلى ما دون 35 درجة إما انخفاض درجة حرارة الجسم إلى ما دون 28 درجة مئوية فيدل ذلك على انخفاض الحرارة الخطير.
وإذا كانت المجلات الطبية تحصر الفئات الأكثر عرضة لانخفاض الحرارة حتى الموت في البحارة ومتسلقي الجبال والمشردين الذين لا يملكون مأوى والأطفال وكبار السن، فعلينا أن نضيف رضع غزة وصغارها ضحايا حرب 7 أكتوبر.
فقد ذكر التقرير الطبي الذى صدر بعد وفاة الرضع في غزة أنهم فقدوا حرارة جسمهم بشكل سريع وتعرضوا للسعة القبع التي تحدث عندما يتجمد الجلد والأنسجة الواقعة تحته، وغنغرينة حدثت عندما تحللت أنسجة الجسم وتوقف تدفق الدم للأعضاء.
وقد اعتاد الأطباء توجيه النصح للأمهات لتخطى مثل تلك الإصابات للأطفال بإلباسهم طبقة إضافية مما يرتديه البالغون، وإدخالهم إلى أماكن دافئة إذا ما بدأوا فى الارتجاف لأنه يعتبر أول مؤشر على بدء انخفاض حرارة الجسم. وبعيدا عن التقارير والنصائح الطبية فقد أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن النساء والأطفال يشكلون نسبة كبيرة من ضحايا هذه الحرب.
ويقوم المكتب الحكومي الإعلامي في غزة بعمل تحديث لأهم الإحصائيات بصفة مستمرة، وكان آخر أرقام أعلنها 3738 مجزرة أدت إلى حصيلة 42885 شهيدا، بينهم 17210 أطفال ممن وصلوا للمستشفيات وسُجلت أسماؤهم لدى وزارة الصحة، إضافة إلى 10000 مفقود.
وقتل الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية جميع أفراد 1206 عائلات فلسطينية، الأمر الذي أدى إلى مسحها من السجل المدني.
كما قتل الاحتلال أيضا 1047 شهيدا من الطواقم الطبية و85 شهيدا من الدفاع المدني، فضلاً عن 177 شهيداً من الصحفيين.
وارتقى 37 شهيدا نتيجة المجاعة من جراء العدوان والحصار، فيما بقي 3500 طفل معرضاً للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.
وعمد الاحتلال إلى استهداف 197 مركزا للإيواء وأخرج 34 مستشفى عن الخدمة ودمر 205 مقرات حكومية، إضافة إلى تدميره 126 مدرسة وجامعة بشكل كلي.
وشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة من قطاع غزة طالت 5280 شخصاً، وشملت الاعتقالات 310 كوادر صحية و38 صحفياً ممن عُرفت أسماؤهم.
وفي النهاية، يمكن القول إن هذه الحرب قد أضافت خانة جديدة في شهادات الوفاة الفلسطينية كُتب فيها تحت الصفر.