حمدي رزق
نحو صياغة قانونية منضبطة لقانون المسؤولية الطبية
يستحق الشكر، مشكور الدكتور «أشرف حاتم» رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، على أريحيته التشريعية، وتفهمه شواغل زملائه الأطباء بشأن مشروع «قانون المسؤولية الطبية» الذى مر من مجلس الشيوخ إلى مجلس النواب، وبات قاب قوسين، لولا وقفة الأطباء المتحضرة تحت مظلة نقابتهم العريقة.
فى «دار الحكمة» حكماء مقدرون، وحوارات النقيب الدكتور «أسامة عبد الحى» مع صانعى القانون كانت مستنيرة، فحصد تفاهمات نيابية وعت وتفهمت تخوفات المجموع الطبى من مواد السجن والحبس الاحتياطى التى أصابت مشروع القانون بالعوار الطبى، وتم التراجع عنها وحذفها من المسودة التى كانت قد مرت على شيوخ مجلس الشيوخ مرور الكرام.
المزايدون على النقيب ومجلسه يمتنعون. تأجيل الجمعية العمومية الطارئة للأطباء (عين العقل)، سيما أن الحوارات أفضت إلى تفاهمات مبدئية، ونزعت فتيل أزمة ليس لها أى لازمة، وتم احتواء غضبة الأطباء، وتفهم مخاوفهم المشروعة بعقل منفتح نيابيا.
يلفتنى، ويحتاج إلى مذكرة تفسيرية إفراط «ترزية القوانين الجدد» فى تدبيج مواد سالبة للحريات فى جملة مشروعات القوانين الأخيرة، ما يحرف البوصلة التشريعية القانونية عن مسارها، ويخرجها من سياقها ويحولها إلى قوانين سالبة رغم أن فكرة «عصرنة القوانين» بتحديثها تستهدف تقليص العقوبات السالبة للحريات، واستبدالها بالغرامات والتعويضات طالما خرجت من المحظور القانونى. أخشى الحالة العقلية السالبة للحريات تهيمن على الفضاء التشريعى، وهذا جد مقلق على الحريات العامة، وفض مغاليق القوانين القديمة بغرض تحديثها وعصرنتها بات يشكل مغامرة تشريعية غير مأمونة العواقب فى ضوء التربص الحادث مجتمعيا.
العالم من حولنا يراجع بأريحية قانونية المواد السالبة للحريات فى القوانين الموروثة من عهود مضت، يكاد يتجاوزها ويستبدل بها الغرامات والتعويضات والخدمة المجتمعية، والأساليب العقابية الحديثة جميعها تذهب إلى التخفف من العقوبات السالبة للحريات فى المخالفات والجرائم التى لا تتسم بالعمدية التى تترجم إصرارا وترصدا، أقرب إلى أخطاء كالأخطاء الطبية، ما يخفف العبء عن كاهل مصلحة السجون، ويرفد وزارة المالية بغرامات طائلة.
صياغة القوانين الجديدة تحتاج إلى عقليات قانونية تعقل الأساليب العقابية الحديثة، وتتمتع بأريحية قانونية، تستلهم ما يسمى مجازا «روح القانون»، هذا يجنبنا التضاغط السياسى الداخلى المجانى فى ظل مهددات الأمن القومى.
وفى قانون المسؤولية الطبية، ألفت النظر إلى مقترح من البروفيسور «أسامة حمدى»، أستاذ الأمراض الباطنية والسكرى بجامعة «هارفارد» الأمريكية، يفض الاشتباك القانونى الحادث، بتعديل مقترح نصه «يعاقب بغرامة تعويضية (تدفع للمريض أو أهله فى حالة الوفاة) لا تقل عن ١٠٠ ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، كل من ارتكب خطأ طبيا سبّبَ ضررا محققا لمستحق الخدمة ويدفعها بالكامل التأمين الإجبارى للطبيب أو المستشفى الذى يعمل به. وتكون العقوبة غرامة تعويضية لا تقل عن ٥٠٠ ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه إذا وقعت نتيجة «إهمال» جسيم أو تعمُّد الإيذاء، وقد تصل العقوبة للحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا تيقنت المحكمة من تعمد الإيذاء.
بالطبع، هذا الاقتراح من قبل البروفيسور «أسامة حمدى»، وهو ضليع فى المسائل الطبية، يحتاج إلى صياغة قانونية منضبطة، فالبداية فى قبول التغيير جيدة ومبشرة، والتوافق بين الجميع مهم، ومصلحة المرضى والأطباء هى الغاية.. أسمى أمانينا.