حمدي رزق
على جناح طائرة المساعدات المصرية
خبر مصرى مقتضب، يحمل معانى إنسانية عميقة، طائرة مساعدات مصرية مرسلة من الهلال الأحمر المصرى إلى الهلال الأحمر السورى، وصلت الطائرة إلى مطار دمشق، تحمل 15 طنا من المواد الطبية والإغاثية. ترجمة الخبر مصريا، مصر الكبيرة لا تتخلى عن واجبها الإنسانى، وواجبها العربى، والقومى، مصر بلد يعرف الواجب، وصاحبة واجب، ولا يغير من طبيعتها الإنسانية تغير الأنظمة الحاكمة، عينها على الشعوب ومصالحها والتخفيف عنها، ولا تطلب منهم جزاء سياسيا ولا شكورا. طائرة المساعدات ليست آخر جسر الغوث الإنسانى،
أول الغيث كما يقولون، ودبلوماسية المساعدات الإنسانية من ثوابت الدولة المصرية، متى تأخرت مصر عن تلبية الحاجات، والوقوف فى ظهر الشعوب فى الأزمات. راجع رحلات الجسر الجوى الإغاثى المصرى، من دارفور جنوبا وحتى بيروت فى الشمال، وخارج الحدود العربية راجع الجسر الجوى يطير بعيدا إلى «بَم» يوم زلزال «كرمان» شرقى إيران، وكذا ليبيا فى مواجهة الفيضانات، وبينهما الجسر الجوى من المساعدات الذى بلغ روما وقت جائحة كورونا.
دبلوماسية المساعدات الإغاثية تتجاوز حسابات السياسة، وترتقى وتسمو فوقها، وليست مرتهنة بخلافات ولا بثارات ولا حزازات مرحلية، وليست موقوفة على عاصمة قريبة ولا بعيدة، الغوث الإنسانى حالة مصرية مستدامة عرفت بها مصر أرض الكرم، المساعدات المصرية براء من المن السياسى والأذى .. ليست رئاء الناس. أسمع فى الفضاء الالكترونى هسسا، الاستغراب السياسى من طائرة المساعدات الإغاثية إلى أهلنا فى دمشق ليس له محل من الإعراب السياسى،
مصر ظلت وستظل الحضن الدافئ لكل العرب، وما نعم وارتاح السوريون فى عاصمة عربية ولا غربية إلا فى القاهرة ومدنها وريفها وحضرها، يودون البقاء، ولا يغادرون، لهم فيها صلة ورحم. الاندهاش السياسى أخشى يرجم غباء سياسيا، وحالة الاستغراب التى رافقت طائرة الإغاثة المصرية إلى دمشق، أخشى تترجم جهلا بثوابت السياسة المصرية التى تقدم مصالح الشعوب على تناقضات الأنظمة، مصر تتعامل بأريحية سياسية وسعة صدر، وكرم إنسانى محض، وتقدم (السبت) إنسانيا دوما..
وحتى لا تنتظر الأحد لا سياسيا ولا إنسانيا. مفطورة على الكرم، وعظيمة يامصر يا أرض الكرم، مصر فى الأزمات والنكبات والنوائب أجود من الريح المرسلة، الكبيرة تقدم ما استطاعت إليه سبيلا، ولو من لحم الحى، ورغم ضيق ذات اليد، لم تتأخر يوما عن الغوث الإنسانى، ولم ترهن كرمها (الثابت) بمواقف سياسية (متغيرة)، وثوابتها مقررة سلفا فى مراجع الدبلوماسية المستقرة تاريخيا، وفى تجليها الإنسانى نموذج ومثال.
فى عالم تنقصه الإنسانية تصبح مثل هذه اللفتات المصرية محل تقدير وامتنان، ولا شكر على واجب، وتطرح بالضرورة تساؤلات، وتحوطها علامات استفهام.. كالعادة المرجفون فى المدينة حائرون يتساءلون فى جنون. معلوم الرهان على القطيعة ( المصرية – السورية) خاسر، ما بين الشعوب لا يغيره الزمان، راكز كالمعدن النفيس فى القلوب البيضاء. والإجابات على هذه التساؤلات الملفوفة حاضرة، وعلى لسان الرئيس السيسى، «احنا لا بنظلم ولا بنفترى ولا بنخون.. نتعامل بشرف فى زمن عزَّ فيه الشرف»،
ولكن اللئام للأسف يبحثون عما بين السطور المصمتة، بحثا عما يشفى غلتهم فى الشك السياسي. خلاصة القول مصر الكبيرة يقودها كبير يسير على قواعد أخلاقية حاكمة مستمدة من تراث عريق للدبلوماسية المصرية التى تتمتع بحس إنسانى راق..
مصر كالعادة، لا تبتدر أحدا بالعداوة، لا تعادى، ولا تتململ، ولا تضجر، بالها طويل وصبرها بليغ، وكريمة، تفتح قلبها قبل ذراعيها تحتضن السوريين المحبين، دعك من الإخوان السوريين، لا عهد ولا خلاق، خونة خوان وإن لفوها فى سندوتشات شاورما..
على جناح طائرة المساعدات الإغاثية سيركب المعلقون، وهم كثر، وسيحللون شحنة المساعدات، وسيقلبونها على جوانبها، بحثا عن نقيصة ما، قدر كيلو جرام واحد من 15 طنا من المساعدات، لعلهم يظفرون بكيلو جرام سياسة، ملؤها الشك والتشكيك فى النيات الخاصة. هذا دأبهم (دأب المؤلفة قلوبهم إخوانيا) لا يفقهون فقه أدبيات الدولة المصرية الحضارية، وواجبها العروبى والأخلاقى والإنساني.. هم مفطورون على الخداع والخديعة، والتقية السياسية، والتقية، هى كتمان الحق!