شظايا الأيام والأحلام
خديجة حمودة
وتدور بنا الأحداث في دوامات تشبه تلك التي تبتلع كل ما يقترب منها في مياه البحر ليختفي ويذهب إلى أعماق مجهولة إلى الأبد، دون أن يترك خلفه أي أثر قد يبعث الأمل بعودته حتى ولو في الأحلام، تدور الأحداث وتتسع الدوامات وتتضاعف أعداد الضحايا دون رحمة أو شفقة بالأحياء الذين تتحول قلوبهم إلى شظايا ممزقة ألما وحزنا على الراحلين، وتتصادم تلك الشظايا البشرية مع أخرى خرجت من المباني التي دكتها الأسلحة الثقيلة لتدور معها وكأنها تطاردها وتلاحقها وتحاول أن تتغلب عليها وتسبقها دون توقف وسط المجهول.
دوامة الأحزان هاجمت أماكن الاحتفالات المقدسة ودمرت معها الطقوس والعادات والتقاليد التي اعتاد المحتفلون الاستمتاع بها، فلم نستمع هذا العام إلى أجراس الكنائس التي تنطلق للاحتفال بميلاد المسيح، فقد انطلقت على استحياء بعد أن استُشهد الآلاف في الأراضي المقدسة، وحوصرت كنيسة القيامة بالقدس، ولم يتمكن المصلون من الوصول إليها كما كانوا يفعلون كل عام، ولم يحضر الصلاة بها إلا أعداد بسيطة، واختفت رائحة الكعك والحلوى والخبز الطازج من المنازل التي نجت من القذف وظلت صامدة وسط الأنقاض، ولم يرتدِ الأطفال ملابس جديدة، ولم تجد الفتيات الصغيرة أمهات أو جدات أو عمات ليجدلن لهن الضفائر الملونة، وحتى هدايا سانت كلوز لأطفال غزة والقدس وضواحيها تغيرت وتبدلت وأصبحت ضمادات ومسكنات للألم وأربطة للجراح ودعامات للعظام التى فتتتها الأسلحة الغادرة وأجهزة تعويضية للأطراف الصغيرة التي بترت.
وفى إحدى الدراسات التي أعدتها ونشرتها الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة، فإن الشظية مصطلح يدل على جسم غريب حاد وقد يكون من الخشب أو الزجاج أو المعدن ويكون جزءا من شيء أكبر نتيجة تناثره، حيث تعتبر فلقة تتناثر من جسم صلب، وأكثر ما يستعمل هذا المصطلح الآن في فلق المتفجرات.
وتشرح الدراسة أنّ الشظايا نوعان؛ الحية منها وتشمل العظام والأشواك والأسنان والخشب، وغير الحية والتي تشمل الزجاج والمعدن والألومنيوم والخطافات والأقلام الرصاص والبلاستيك.
وتؤكد الدراسة أنّ الكشف عن الشظايا غالبا ما يتم من قبَل الشخص المصاب بالعديد من العلامات التي تدل على أن الشظية قد دخلت جسمه، مثل الجرح الغائر وآثار الدماء والألم الحاد وتلون لون البشرة، وإذا كان هو الحال مع تلك الأنواع التي تحدثت عنها الدراسة فإلى أي نوع منهما سنضم شظايا الأيام والأحلام التي أصبحنا نعيشها الآن؟ فالخوف من المجهول ومن الموت ومن هجوم مباغت أو احتلال أو اعتقال أو فقد أحبة أو مأوى عشنا فيه عقودا، كل هذا تحول إلى شظايا أحلام تتناثر في الذاكرة وتهاجم الأيام.
وفي تفسير علمي حول من لا يشاهدون أحلاما يمكن أن تحكى أو تظل في ذاكرتهم لخص ماكدونالد كريتشيلي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لطب الجهاز العصبي، ما يعرف بمتلازمة شاركو بقوله: (يفقد المريض القدرة على استرجاع الصور المرئية أو الذكريات، إضافة إلى ذلك يتوقف عن الحلم أثناء ساعات نومه)، وهذه الحالة نادرة جدا ولا تؤثر إلا على عدد قليل من مرضى تلف الدماغ.
ويعمل العلماء على إجراء دراسات إضافية قد تساعد على إلقاء الضوء على المسار العصبي لتكوين الأحلام.
ولا تزال الأحلام تشكل لغزا يحير العلماء، ولكن العلم توصل إلى بعض الحقائق المتعلقة بها والتي لا يعرفها كثيرون، من هذه الحقائق، والتي أفاد بها موقع تليفزيون نابلس، أنّ فاقدي البصر أيضا يرون الأحلام في منامهم، لكن ذلك يتعلق بمن فقد بصره، أما من يولد ضريرا فإنّ الأحلام التي يراها تقتصر على الأحاسيس التي يتمتع بها فلا تتجاوز سماع الأصوات أو الشعور بالروائح أو اللمس.
ويؤكد العلماء أن الإنسان يتذكر 10% فقط من الأحلام التي تراوده، فكثيرا ما يحاول من استيقظ لتوه أن يتذكر حلما رآه، لكن في معظم الحالات لا ينجح بذلك.
وفي دراسة أخرى تناولت مدى تأثير الأحلام على التوازن النفسي استنتج علماء أنّ الأحلام تسهم بشكل فعال في تفادي الاضطراب العقلي.
ويمكن القول إنّ الإنسان يحدوه دائما الأمل قبل أن يتوجه للنوم بأن يرى في منامه أحلاما سعيدة، وأيا كان الحلم المهم ألا يكون كابوسا مزعجا، وإذا كان كابوسا فلا يتبقى منه إلا الأمل بأن يكون هذا الكابوس من ضمن الـ90% من الأحلام التي ينساها الإنسان.
وهكذا حولت الحروب وأصواتها وانفجاراتها ومفرداتها قاسية المعاني والقادة الدمويون وصورها الأكثر قسوة الأيام والأحلام إلى شظايا.