رؤية أكاديمية لأبعاد تحالف بيونج يانج وموسكو
كمال جاب الله
كاتب صحفي ومحاضر جامعي
محفلان مهمان للغاية، كان التحالف الكوري الشمالي-الروسي محورهما، وتزامن حدوثهما في وقت متقارب، أولهما: بحثي علمي معتبر، حضرت فعالياته في قاعة جامعية، والثاني: جرت وقائعه في بث مباشر، من مجلس الأمن الدولي بنيويورك.
تحت عنوان “مستجدات التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية”، جرى التركيز على الأبعاد الإقليمية والدولية للتحالف بين الدولتين، ضمن مناقشة رسالة دكتوراه لفلسفة العلاقات الدولية، للباحث عبدالرحمن توفيق بكلية العلوم والإدارة.
بداية، نوهت الرسالة إلى أن التحالف بين بيونج يانج وموسكو يعتبر وسيلة -بالنسبة لروسيا- لتعزيز الردع العسكري والنووي، وتأمين موقعها الإستراتيجي في منطقة شرق أسيا وتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وسط تزايد التوترات مع الغرب.
يأتي التحالف، كما هو معروف، في وقت تواصل فيه موسكو السعي للحصول على دعم بيونج يانج للحرب الأولى في أوكرانيا، فضلًا عن تصاعد التوترات بين الشطرين الشمالي والجنوبي بشبه الجزيرة الكورية، وتنص المادة الرابعة من معاهدة التحالف بين البلدين على تقديم المساعدة العسكرية وغيرها من المساعدات للطرف الآخر إذا دخل في حالة حرب، أو بسبب غزو مسلح من دولة أو عدة دول.
إضافة إلى تقديم المساعدة العسكرية في حالة التعرض لهجوم، تشير المادة الثامنة من المعاهدة إلى أن كوريا الشمالية وروسيا قد تنخرطان في تعاون عسكري، وجاء بها نصًا: “يجب على الطرفين إنشاء آليات لتعزيز القدرات الدفاعية لمنع الحرب”.
وفقًا لرسالة الدكتوراه، “فإن المعاهدة الكورية الشمالية-الروسية تفتح الباب لقيام موسكو بمساعدة بيونج يانج في برامج الطاقة النووية والفضائية، وهو ما تتطلع إليه الأخيرة، بموجب نص المادة العاشرة، علمًا بأن روسيا ممنوعة -في الأساس- من تقديم مثل هذه المساعدة، بموجب قرارات دولية، لكنها انتهكتها -بالفعل- بقبول أسلحة من بيونج يانج”.
في الوقت نفسه، “أعلن الرئيس بوتين أن بلاده ستواصل معارضتها للعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، ووصفها بأنها غير قانونية، واقترح أن تعمل الدولتان سويا على تطوير أنظمة دفع غير مسيطر عليها الغرب”.
بالنسبة للتعاون النووي الروسي-الكوري الشمالي -حسب الرسالة- فإنه يعتبر من أكثر جوانب التحالف حساسية، حيث يسهم في تعزيز القدرات النووية لبيونج يانج، عبر تقديم المعرفة التقنية والموارد الأساسية، بدءًا من تطوير البنية التحتية النووية، بما في ذلك إنشاء مفاعلات وإنتاج الوقود وتعزيز أنظمة الأمان، مما يزيد من استقلالية كوريا الشمالية في المجال النووي.
في الوقت نفسه، توفر المعاهدة لموسكو وسائل ضغط إضافية على واشنطن وحلفائها في حالة تصاعد التوترات الدولية، وتحقيق توازن نووي إستراتيجي نوعي بشرق آسيا، ومع الغرب عمومًا.
أيضًا، وفيما يتعلق بتبادل التكنولوجيا والتدريبات العسكرية، تشير الرسالة إلى أن روسيا تقوم بتزويد كوريا الشمالية بأنظمة صواريخ وأجهزة مراقبة متقدمة، بالإضافة إلى تطوير الصواريخ الباليستية، بما في ذلك أنظمة الدفع وتقنيات التوجيه، وقد منحت معركة أوكرانيا فرصة إستراتيجية -غير مسبوقة- لكوريا الشمالية لعلاقة تعاون مستدامة بين بيونج يانج وموسكو طالما استمرت الحرب.
وعملا بمبدأ “الذخيرة مقابل الغذاء والمعرفة العسكرية”، أصبحت بيونج يانج منجمًا رئيسيًا لتوريد الذخيرة لموسكو في حربها بأوكرانيا، حيث أرسلت نحو 6700 حاوية عن طريق البحر والسكك الحديدية، في المقابل، حققت كوريا الشمالية مزايا إستراتيجية لدورة مستدامة ذاتيًا بمجمع الصناعات العسكرية، وحصلت على تقنيات لإطلاق أقمار التجسس، وحسب الرسالة، فإن ذلك يمثل انتهاكًا صارخًا للعقوبات الدولية، وتترتب عليه تداعيات تتجاوز حرب أوكرانيا.
في رسالته التي نال عليها درجة الدكتوراه، يخلص الباحث عبدالرحمن توفيق إلى أن التعاون العسكري بين بيونج يانج وموسكو يسهم في تعزيز قوة الردع -العسكري والنووي والاقتصادي- لموسكو، ويعزز نفوذها الإقليمي، ويضمن لها مرونة إستراتيجية بمنطقة آسيا-المحيط الهادئ، في مواجهة التحديات الغربية.
قبل أن أنتقل إلى محفل دولي آخر، تناول أبعاد التحالف العسكري بين بيونج يانج وموسكو، أشير إلى أن لجنة مناقشة رسالة الدكتوراه ترأسها عميد كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية الدكتور أحمد وهدان، وعضوية أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان: د.عبير الغندور، ود.محمد الشيمي.
لاستكمال مدى خطورة الموقف من زاوية أكثر اتساعًا، أنقل -هنا- فحوى سجالات مكملة، وعلى أعلى مستوى من الجدية، جرت في جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء الماضي، تركزت على مناقشة إعلان بيونج يانج أنها أطلقت -بنجاح- نوعًا جديدًا من الصواريخ الباليستية، متوسطة المدى، وأسرع من الصوت.
نائبة السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، دوروثي كاميل شيا، أعلنت -في أثناء الجلسة- أن كوريا الشمالية تستفيد بشكل كبير من تلقي المعدات والتكنولوجيا والخبرة العسكرية الروسية، مما يجعلها أكثر قدرة على شن حرب ضد جيرانها.
السفير الروسي، فاسيلي نيبينزيا، رفض الادعاء الأمريكي بأن موسكو تخطط لمشاركة تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية المتقدمة مع بيونج يانج، مشيرًا إلى أنه ادعاء لا أساس له من الصحة على الإطلاق، وأن قيادة كوريا الشمالية لديها الحق الكامل في تنفيذ التدابير اللازمة لضمان أمنها والحفاظ على وحدة أراضيها.
من جانبه، صرح نائب السفير الصيني، جينج شوانج، بأن بلاده نفذت دائمًا جميع القرارات المتعلقة بكوريا الشمالية بأمانة وتفي بالتزاماتها، موضحًا أن واشنطن زادت من وجودها العسكري بشبه الجزيرة الكورية وفي المناطق المجاورة، مما أدى إلى تقويض خطير للمصالح الإستراتيجية لدول المنطقة، بما في ذلك الصين.
أيضًا، برر سفير كوريا الشمالية، كيم سونج، عملية إطلاق الصواريخ، مؤكدًا أن الصاروخ البالستي، الأسرع من الصوت، هو جزء من خطة لتطوير القدرة الدفاعية لبلاده، بما يتوافق مع البيئات الأمنية المتغيرة بالمنطقة.
أما السفير الياباني، يامازاكي كازويوكي، فقد أدان عملية الإطلاق، موضحًا أنها متصلة بشكل أساسي بمنع الانتشار النووي على مستوى العالم، ودعا المجلس لاتخاذ إجراءات رادعة.
تبقى الإشارة لكلمة سفير كوريا الجنوبية، هوانج جون-كوك، التي ربط فيها بين إطلاق الصواريخ الكورية وما يتردد عن مقتل ما لا يقل عن 1100 جندي شمالي في الحرب الدائرة بأوكرانيا، وقال نصًا: “كوريا الشمالية تضحي بشعبها لتحقيق طموحاتها، ولجمع الأموال ولتأمين التكنولوجيا النووية والعسكرية الروسية”.