يوم مولد الزعيم ..
القلب وما يريد ” نوستالجيا ناصرية” من زمن الأبيض والأسود!
بقلم: حمدي رزق
نقلا عن المصور
على محركات البحث الإلكترونية، نقتطف بعضا من الجمال بخصوص خالد الذكر، جمال عبد الناصر حسين، مولود في باكوس، في ١٥ يناير ١٩١٨، ضابط عسكري وسياسي مصري شغل منصب الرئيس الثاني لجمهورية مصر من عام ١٩٥٦، وحتى وفاته عام ١٩٧٠.
ناصر من قادة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ التي أطاحت بالملك فاروق، وحوّلت نظام الحكم في مصر إلى جمهوريةٍ رئاسية.
كعادتنا ، عادة مستدامة ، عادة سنوية ، في مولده نتذكر محاسنه، والذكري تنفع المصريين في مثل هذه المفاصل التاريخية.. استلهاما لروح ناصر التي تسري فينا..
**
“فين طلتك في الدقايق تسبق المواعيد
والابتسامة اللي أحلى من السلام بالإيد
يا معانا في كل فرحة ومعركة وجديد
أؤمر لي بحقوقي وهدوم الولاد في العيد
والمجانية ومرايل بيضا والأناشيد
والصبر ما يغلبهش الذل والتنهيد”..(من شعر فؤاد حداد).
**
كنا زمان، وعلى شط الترعة نقف ونتحدى بالرهان، لو أنت ابن “جمال عبدالناصر” بصحيح تنط الترعة، والترعة واعرة، ونطها يعنى البلل حتما والسقوط فى الطين.
نط الترعة يحتاج إلى قدرات خاصة، قدرات يملكها فقط من كان ابن “جمال عبدالناصر”، كما يقولون ابن الوز عوام، تحديدا “خالد أبن الزعيم ” الذى لم ألتقيه حتى توفاه الله.
خالد ابن عبدالناصر كان في خيالنا الطفولي البرئ من صنف أخر ، نتخيله صغارا طويلا طويلا، وبجناحين يطير فى الهواء ويمشى فوق الماء، بالفعل كان فارع الطول كوالده، وذراعاه مفرودتان تحتضنان الهواء، يفعل المستحيل، ينط الترعة، ويعدى البحر، ويركب الصعب، كنا نظنه عفريتا من الجان.
ما بال والده قاهر الإنجليز وطارد الاستعمار، ومن خصى الإخوان، وقص ريش الأقطاع، وشتت شمل رأس المال الجبان المتواطئ مع الإنجليز والسراى، كانوا قساة بغاة ينفثون دخان السيجار الكوبي فى وجه مصر الصبوح، نفخهم عبد الناصر كالهاموش ومسح الوجه الجميل وأزال السناج.
كنا صغارا نتسابق نحو الترعة لنيل الشرف، ويا له من شرف أن تكون ابن عبدالناصر، ابن الزعيم حتة واحدة، ويتيه الصبى منا فخراً، إذا نط الترعة ولا اتبلش، وصار ابناً لعبدالناصر الذى لم يره سوى فى صور الأبيض والأسود.
**
نطيت الترعة بدل المرة ألفاً، وصرت ابن عبدالناصر مرات قليلة، رجلى قصيرة، تغرز فى الطين، لم نكن نعرف من هو ابن عبدالناصر، فقط هو ابن عبدالناصر، ابن عبدالناصر وكفى ..
أول مرة أسمع اسمعه وأنا أتعلق بذيل جلباب والدتى المرحومة رجاء “رحمها الله” وهى تبكى بدل الدموع دما من لا تعرفه، تندب أباً وأخاً وحبيبا، تنتحب على الغالى عبدالناصر، وتصوت خلف القائلين أجمعين بصوت مكلوم: “يا خالد روح قول لأبوك..ميت مليون بيودعوك” .
كانت تشكل ونسوة عزبة “المغربى” بمنوف منوفية، بوسط الدلتا، محافظة الرؤساء كما يصفونها، كورس نحيب يقطع نياط القلوب، أشك أن أمى يرحمها الله كانت تعرف عبد الناصر، تسمع عنه فقط من الراديو إنه حبيب الفقراء، وهذا كاف للنواح عند فقد الأخ والسند.
كانت والدتى الطيبة يرحمها الله تنادى باسم “خالد ” كأنها تعرفه، كل نساء بلدتنا الصغيرة فى قلب الدلتا يعرفنه حق المعرفة، كانوا يشيعون “عبدالناصر” فى نعش خشبى خاوٍ، يزينه علم مصر، تمثلوه فى قريتنا نعش عبدالناصر وشيعوه فى نفس توقيت تشييع النعش الأصلى فى القاهرة.
صار فى كل بلدة نعش وفى كل بيت حزن، الحزن سكن فى القلوب يومها ما غادر ، ولحق خالد بوالده فى جنات الخلد يا زعيم، وتبقى لنا “حكيم” اسم الدلع لعبد الحكيم ، وهدى ومنى منيتا القلب الذى خذل الزعيم إذ فجأة فرحل بعيدا عنا ،إلى رحاب رب العالمين.
**
استعير النداء أعلاه ، واقول ياخالد قول لأبوك، إن في مصر شيوخ يعيشون الذكرى، يحملون صورتك، ويتنسمون ريحتك، ويقفزون فى الهواء حباً وعشقاً لمن عشقت وتهوى، مصر.
هناك فى قعر البيوت الطينية فلاحون يتلون ما تيسر من سيرتك، وفى المصانع والعنابر تصدح بحلمك، وفى الغيطان منشورة صورتك على الزرع الأخضر، البعض عاد للقفز فى الترع، فرحاً وطرباً بالثورة.. ثورة يونيو التي أطاحت مؤامرة الاستعمار في صورته الجديدة ، وقطعت ذيوله من الإخوان والتابعين ..
يا خالد قول لأبوك، مصر صارت للمصريين، ليست للإخوان ولا للسلفيين، عاد المصريون فى 30يونيه إلى سيرتهم الأولى التى كانت يوم ٢٣ يوليو، ينادون بالعزة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، يسيرون على الدرب، وعلى الدرب نسير، ومن سار على الدرب وصل، ويتبعون السنن، سنن الثوار، ويبتهلون النوافل الثورية، من نوافل الثوار أنهم لا يرتضون الدنيّة فى ثورتهم، يرفضون الصفقات، لاصفقات مع القتلة، والتحالفات مع الاحزاب الفاشية التى تحكم فينا بالمقدس عنوة وجبرا وقسرا، والتوافقات المرذولة المهزومة مع أحزاب سلفية مالها فى الحكم من شيء.
إنهم في بلادي يا والدى يريدون حياة ديمقراطية سليمة كالتى تكالبت عليكم الأمم تكالب الأكلة على قصعتها بسببها، هم لا يريدونها ديمقراطية هم يريدونها تبعية ولو شئت الدقة خلافة وملك عضوض.
**
شبابك، شيوخك، نساؤك، أطفالك، المصريون جميعا، الكل كليلة، يقرئونك يا ابو خالد السلام، تخيل يا والدى “رئيس إخوانى” تمثل ذات يوما في ثياب الفرعون ووقف فى التحرير يتمسخر على ستينيات القرن، الستينيات وما أدراك ما الستينيات، يسخرمن ستينيات ناصر، يسخر من ستينيات مصر، لعنه المصريون، لفظوه كرهوه، لأنه – أى الإخوانى – تجاوز القدر والمقام، مقامك يا زعيم عال.
تخيل يا والدى، جاء علينا زمان، كان الخوف يعتورنا على ما تبقى من يوليو، شحبت وجوه، وشاهت وجوه، وأظلمت وجوه، وانطفأت شموع، وانكسرت أحلام صغيرة تكونت على شاطئ بحيرة بشرية صغيرة يقال لها ميدان التحرير..
أولاد عبد الواحد الجنانينى “فى فيلم رد قلبى”، هم من رفعوا صورة عبد الناصر فى ٣٠ يونيه، عبد الناصر لا يزال ماثلاً فى الأذهان، وساكن في القلوب.. سلام عليك يوم ولدت يا حبيب الملايين.