ولنجوم السماء حديث
خديجة حمودة
ما إن بزغ أول فجر من أيام العام الجديد حتى توالت الأحداث القاسية والعنيفة علينا وأدخلتنا في دوامة من الفزع والخوف واستمرت شاشات التلفاز تنقسم إلى أكثر من جزء في وقت واحد وكأنها تطارد الأخبار وعواجلها، وأصوات المراسلين تتنافس وتعلو في محاولات للتغطية على هدير الطائرات وصافرات الإنذار وأصوات عربات الإطفاء والإسعاف.
وتمتلئ الشاشات بعواجل ساخرة تضحك وتبكي بعد أن تقرر السلطات الأمريكية إخراج 1000 سجين ليتعاونوا مع رجال الإنقاذ في محاولات مضنية وفاشلة للسيطرة على تلك الحرائق التي التهمت مدينة الأغنياء والفن والمال في أمريكا، والتي ستصنّف دون أدنى شك بـ«حريق القرن».
وفي الجانب الآخر من العالم ووسط مدينة الصلاة وإحدى القِبلتين، تستمر المطاردات والتهجير والقتل والبحث عن أماكن لإقامة مدافن جديدة واستمرار التمني لهدنة ولو لساعات والسلام لأيام وتوقيع الاتفاق الذي أصبح من الأحلام والذي سيعيد الغائبين إلى أحضان الأمهات والزوجات والأبناء، ربما تغير تلك العودة المستقبل وتبدل الواقع الذي يعيشه من بقي منهم على قيد الحياة.
ووسط هذه الفوضى العالمية التي لم ولن تجد من يعيد ترتيبها وتنسيقها ظهرت أحاديث نجوم السماء، تلك التنبؤات التي يعيش معها فئة من الرومانسيين الحالمين الذين يهربون أحيانا من ألم وقسوة الأيام إليها، حيث يبحثون عن عودة الغائب ونجاح المتعثر وإيجاد عمل لمن فشل في ذلك، وسعادة زوجية وقصة حب تنعش القلب وتدغدغ المشاعر، فتتحول الحياة إلى جنة صغيرة حتى لو كانت في الأحلام.
ولهؤلاء انتشرت صور المنجمين من جميع دول العالم ومن جنسيات مختلفة وطبقات متفاوتة، وطرق تنجيم تتباين وتتنوع ما بين قراءة وتحليل الأحداث وأخرى حسابات رقمية وثالثة تعود بنا إلى عصر البلورة المسحورة في مشاهد كوميدية، إلا أنها ترضي رغبات المتلهفين على النجاح والسعادة.
ووسط هذا المشهد يظهر من جديد تحت الأضواء الطبيب والعراف الفرنسي الشهير ميشيل دى نوستراداموس الذى ولد في 14 ديسمبر 1503 بمدينة سان ريمي بفرنسا وبدأ حياته بصفته طبيبا متخصصا في مكافحة الطاعون إذ اكتسب شهرة لعلاجاته الطبية المبتكرة في أثناء تفشي الطاعون في أيكس وليون بين عامي 1546 و1547.
لكنه تحول لاحقا إلى دراسة النجوم والكواكب وتأثيراتها، ما قاده إلى صياغة نبوءاته الشهيرة التي طرحها في كتاب النبوءات وهي مجموعة من التنبؤات التي زعم وقتها أنّها تمتد لقرون مقبلة. وقد شكك البعض في كتاباته بسبب أسلوبه الغامض المملوء بالرموز، حيث لم ينجح في التوصل إلى نوع من التقويم الدقيق للأحداث القادمة بل إنّ التنبؤات المنسوبة إليه هي مجرد تفسيرات لنصوص مجموعة من القصائد التي كتبها في كتابه الصادر عام 1555 بعنوان قرون (centuries).
وبينما يوحي المنطق بأنّ مزاعم نوستراداموس يمكن أن تنطبق على أي شيء تقريبا إلا أن الكثيرين يصدقون أنّ هناك ارتباطات بين تنبؤاته والأحداث التاريخية الكبرى، فقد حددها وقال «بعد مشقة كبيرة للبشرية سيواجه العالم مشكلة أخرى أخطر، المطر والدم والحليب والمجاعة»، كما كتب عن الشباب «الزومبي»
وأضاف «سيموت الآباء والأمهات من أحزان لا حصر لها، نساء في حداد ووحش موبوء» وحذر أيضا «سنرى الماء يتصاعد والأرض تسقط من تحته»، وقد فسر البعض ذلك بأنه يعني تغير المناخ الذى سيصبح أمرا غير محتمل، حيث سترتفع مستويات سطح البحر في مواجهة ارتفاع درجة حرارة الكوكب الذى يتسبب في ذوبان القمم الجليدية القطبية.
وعلى جانب آخر فإنّ هذا الكتاب الذي انتهى منه المؤلف قبل أكثر من 450 عاما ينتشر على رفوف المكتبات في جميع دول العالم الغربي والعربي حيث ترجم لعدة لغات، ويتهافت محبو التنجيم والتنبؤات على شرائه، كما يشارك في معارض الكتاب العالمية لما له من قبول لدى الجماهير.
ويقول المعجبون بهذا العراف الفرنسي إنه برغم اللغط الكبير حول توقعاته ومدى صحتها وإلى أي شيء تستند، فإنه قد تنبأ بأحداث محورية في العالم تحقق بعضها بالفعل، بما في ذلك صعود أدولف هتلر للحكم السياسي في ألمانيا ومأساة القنبلة الذرية على هيروشيما وناجازاكى.
وكذلك اغتيال الرئيس الأمريكي چون كينيدي وظهور جائحة كورونا، وهو ما يضع تركيزا قويا على توقعات النجوم للعام الجديد ربما خوفا وقلقا وتشاؤما أو تفاؤلا وتمنيا.
والآن لا نملك إلا أن ندعو أن يكون حديث النجوم لنا حول هذا العام هادئا سعيدا يحمل بين حروفه رائحة ولون الورد والياسمين.