حدث ذات يوم فى سفارة الكويت بالقاهرة عام ١٩٨٧
———————————
السيد هانى ..
———————————
استضافت الكويت فى عام ١٩٨٧ المؤتمر السنوى لاتحاد المحامين العرب ..
تلقيت دعوة من المرحوم الدكتور أحمد الخواجة نقيب المحامين المصريين ورئيس اتحاد المحامين العرب للسفر لتغطية أعمال هذا المؤتمر ..
فأخذت خطابا من الجريدة موجها إلى سفارة الكويت بالقاهرة ؛ لمنحى تأشيرة دخول الكويت لمدة أسبوع لتغطية أعمال المؤتمر ..
ذهبت بالخطاب إلى سفارة الكويت ..
على باب السفارة طلبت من موظف الأمن السماح لى بالدخول لمقابلة المستشار الصحفى بالسفارة وتسليمه خطاب الجريدة لمنحى التأشيرة .. وكنت قد أحضرت معى جواز السفر وصورتين على أمل الحصول على التأشيرة ..
قال لى موظف الأمن إنه لابد أن يخطر المستشار الصحفى أولا بوجودى وطلبى مقابلته .. قبل أن يسمح لى بدخول السفارة ..
ذهب وعاد .. وأبلغنى أن المستشار الصحفى يرفض استقبالى ..!
دخلت فى نقاش مع موظف الأمن ..
النقاش لم يأت بنتيجة ..!
أعطيته خطاب الجريدة وطلبت منه تسليمه إلى المستشار الصحفى .. لعمل اللازم .. من حيث مساعدتى فى الحصول على التأشيرة .. وبأننى أرغب فى مقابلته ..
ذهب موظف الأمن وعاد قائلا لى إنه تسلم الخطاب .. لكنه لا يرغب فى مقابلتى ..!
قلت لموظف الأمن : إذن قل له يرد لى خطاب الجريدة .. مادام لا يريد منحى التأشيرة ..
ذهب موظف الأمن وعاد .. قائلا لى : إن المستشار الإعلامى رفض إعطائه الخطاب ..!
حدث كل هذا .. وأنا أقف فى الشارع أمام السفارة الكويتية ممسكا بالسور الحديدى .. وفى قمة الغضب ..
عدت إلى مكتبى بالجريدة .. واتصلت بالمرحوم أحمد الخواجة .. اعتذرت له عن السفر ؛ وأبلغته بما حدث معى عندما ذهبت إلى سفارة الكويت أطلب الحصول على التأشيرة ..
فوجئت به يقول لى : ولا يهمك .. ستسافر معنا على نفس الطائرة بدون تأشيرة .. وستدخل الكويت .. وتحضر معنا جلسات المؤتمر ..
* * *
سافرت الكويت مع الوفد المصرى بدون تأشيرة ..!
فى مطار الكويت .. وجدت وفدا من نقابة المحامين الكويتيين فى المطار لاستقبال الوفود العربية ..
استقبلونا بحفاوة بالغة .. وبالأحضان .. وبالمشروبات فى قاعة الوصول .. أخذوا منى جواز السفر .. طبعوا فيه التأشيرة ثم أعادوه لى .. ثم ركبنا سيارات المرسيدس التى نقلتنا إلى فندق “هيلتون” .. نزلت بمفردى فى غرفة رائعة .. وجدت فيها كل ما يخطر على بالك من فاكهة ومشروبات ومكسرات ..
فى صباح اليوم التالى بدأت جلسات المؤتمر ..
ورغم أن الفندق كان يوفر لنا الوجبات الثلاث .. إلا أننا لم نكن نتناول به إلا وجبة الإفطار فقط .. أما وجبات الغداء والعشاء .. فكانت دائما مآدب عامرة بأشهى الأطعمة ؛ ندعى لها من مسئولين فى الحكومة الكويتية أو جهات رسمية ..
حتى جاء اليوم الأخير الذى اختتمت فيه أعمال المؤتمر .. فكان العشاء مآدبة دعى لها المرحوم الشيخ سعد العبد الله ولى عهد الكويت وأقيمت بأحد الفنادق الفخمة ..
ذهبنا إلى المآدبة .. ففوجئنا بالشيخ سعد العبد الله رحمه الله يقف بنفسه مع بعض وزراء الحكومة فى استقبالنا .. كانت ليلة لا تنسى أبدا .. كميات ضخمة من الطعام والخراف المشوية .. وكل مايخطر على بالك من أصناف الطعام الأخرى .. كانت الإجواء احتفالية بدرجة كبيرة .. موسيقى عربية أصيلة .. ورقص خليجى .. وزحام من الحاضرين حول الشيخ سعد العبدالله لالتقاط الصور التذكارية معه .. حيث كان فى الحفل عشرات المصورين وكاميرات التليفزيون ومندوبى الصحف الكويتية وكبار الشخصيات فى المجتمع الكويتى من سياسيين وبرلمانيين وكتاب وإعلاميين ..
بطبيعتى فى مثل هذه المناسبات أبحث دائما عن الهدوء .. وأجده فى أخر مائدة فى القاعة .. حيث تتاح لى فرصة مشاهدة ومتابعة ما يجرى فى القاعة بعين الصحفى .. بعيدا عن الزحام ..
جلست على المائدة وحدى .. فى أخر القاعة ..
لم يمض وقت طويل .. حتى فوجئت بالشيخ صباح الأحمد الصباح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فى ذلك الوقت ؛ والذى أصبح بعد ذلك أميرا لدولة الكويت .. يأتى إلى نفس المائدة التى أجلس عليها ويجلس بجوارى .. كان رحمه الله رجلا شديد التواضع ؛ ينشد الهدوء ؛ والبساطة ؛ زاهدا فى الأضواء .. ويبدو أنه اختار المائدة التى أجلس عليها طلبا للهدوء .. بعيدا عن جو الصخب الإحتفالى الذى تضج به القاعة ..
وقفت لتحية الرجل وقدمت له نفسى .. وأعطيته بطاقة التعارف ” الكارت” .. ثم جلسنا .. فقال لى : أهلا بك فى بلدك الثانى الكويت .. قلت له : لقد سعدت جدا بزيارة الكويت .. وتشرفت بلقاء سموك .. رغم أننى واجهت ظروفا كادت تمنعنى من الحضور .. سألنى عنها .. فقصصت عليه ما حدث لى عندما ذهبت إلى السفارة الكويتية بالقاهرة للحصول على تأشيرة الكويت ..
استمع لى الرجل باهتمام .. ثم أخرج من جيبه بطاقة التعارف التى قدمتها له .. ونظر فيها .. ثم أعادها إلى جيبه ..
* * *
انتهى المؤتمر .. وعدت الى القاهرة .. فما كدت أصل إلى مكتبى بجريدة الجمهورية .. حتى فوجئت بمندوب من سفارة الكويت يأتى لى حاملا حقيبة .. مملوءة بالهدايا.. زجاجات عطر .. وطقم أقلام “باركر” .. وأجندات .. وغير ذلك من الهدايا المكتبية .. مع خطاب رقيق من سفير الكويت بالقاهرة فى ذلك الوقت السفير عبدالرازق الكندرى ..
ثم اتصل بى السفير عبدالرازق الكندرى يعتذر لى عما حدث .. وأعطانى أرقام هواتفه .. وطلب منى أن نظل على اتصال دائم .. فأصبحنا بعد ذلك أصدقاء ..
* * *
هنا لابد أن أشير إلى أن سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح .. هو من أعظم الحكام فى تاريخ المنطقة العربية .. وكل من اقترب من هذا الرجل أو تعامل معه .. يعرف أنه على الصعيد الإنسانى يتسم بالتواضع الشديد وبالبساطة وبالتقوى وبالورع .. ومنذ سنوات قليلة كرمته منظمة الأمم المتحدة بجائزة افضل رجل فى العالم فى مجال العمل الإنسانى ..
أما على الصعيد السياسى فهو يتسم بالحكمة والحنكة والخبرة الواسعة والنظرة الثاقبة .. وله ادوار رائعة يسجلها له التاريخ .. منها على سبيل المثال دوره العظيم فى نزع فتيل مواجهة عسكرية كادت تقع بين دولتى السعودية وقطر منذ سنوات قليلة ..
الشيخ صباح الأحمد الصباح بالنسبة لى .. هو من أعظم رؤساء الدول والحكام الذين التقيت بهم فى مسيرتى الصحفية التى أمتدت الآن إلى أكثر من ٥٠ عاما .. وقد أسعدنى الحظ .. بالصدفة التى اتاحت لى تناول العشاء معه على مائدة واحدة .. وحديث ودى امتد إلى ما يقرب من الساعة ..
اللهم ارحمه رحمة واسعة ..
* * *
لابد ان أشير أيضا إلى أن العلاقات المصرية الكويتية .. تتميز بخصوصية لا تتوفر فى كثير من العلاقات الثنائية التى تربط بين الدول .. فهى ليست فقط رابطة مصالح متبادلة .. وإنما رابطة دم .. امتزج بتراب البلدين ..
ففى كل الحروب التى خاضتها مصر ضد العدو الإسرائيلى .. لم تكتف الكويت بإرسال المساعدات أو تقديم الدعم المالى والسياسى .. وإنما كانت ترسل طائرات عسكرية محملة بجنود الجيش الكويتى .. بقيادة لواء .. لمشاركة أخوانهم من جنود الجيش المصرى فى الحرب ..
لابد هنا ان نذكر بكل الوفاء والتقدير استشهاد ٣٣ جنديا من الجيش الكويتى فوق رمال سيناء .. إلى جانب اخوانهم المصريين .. فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ .. اختلطت دماؤهم جميعا فى معركة مشتركة ضد العدو الإسرائيلى ..
لذلك .. عندما تعرضت الكويت للغزو العراقى .. سارع الرئيس حسنى مبارك بإرسال الجيش المصرى للمشاركة فى تحرير الكويت .. فضلا عن دوره فى الحشد الدولى خلال مؤتمر القمة العربية بالقاهرة