مصطفى عبيد يكتب
#المضحكاخانة
mostafawfd@hotmail. com
شعب يناضل بالضحكات..يبدو المصرى فريداً بسماته الاجتماعية الفذة التى تجعله صابراً، محتسباً، مستطيباً للمحن والهموم الحياتية، صانعاً من كل ضيق، طرفة، ومحولاً كل أزمة إلى فرصة لتوليد النكات والسخرية حتى من نفسه وحاله.
لذا ليس غريباً أن نقرأ رأى المفكر العظيم ابن خلدون فى المصريين إذ يقول عنهم « يميلون إلى الفرح والمرح والخفة والغفلة عن العواقب». وهذا ابن إياس المؤرخ الشهير بقول «وأهل مصر ما يطاقون من ألسنتهم إذا أطلقوها فى حق الناس».
وربما فإن هذا هو التفسير الوحيد لقدرة الناس فى بلادى على تحمل الأوجاع ومواجهة المشكلات وامتصاص الأزمات على مر الأزمنة.
فمتى واجه الناس صلفاً وبطشاً وقهراً، قاوموه بالسخرية والنكات والطرف، وهى سمة مميزة بين الشعوب يتفوق فيها المصريون حتى الآن.
من هنا تنوعت الدراسات عن النكت المصرية والسخرية بالكلمة لدى المصريين، ومرت علينا كتب عظيمة مثل «الفكاهة فى مصر» للدكتور شوقى ضيف، و«الظرفاء» لمحمود السعدنى، و«النكتة السياسية» لعادل حمودة، وغيرها.
وربما كان ذلك دافعاً لباحث شاب مجتهد، ، مبحر فى التاريخ، ومهتم فى التوثيق هو محمد غنيمة، أن يكتب كتاباً توثيقياً عن تاريخ مصر الفكاهى بعنوان «المضحكخانة» ليصدر مؤخراً عن دار الرواق للنشر فى نحو مائتى وثلاثين صفحة.
يبدو العمل راصداً لتطور النكتة والسخرية فى مصر عبر عصور عديدة لنكتشف أن هناك جينا وراثيا لا يفارق أهل مصر يعمد إلى السخرية من أى قوة باطشة مهما كانت، ومن الاستهانة من أى خطب جلل عبر صناعة النكات.
والمدهش فى كتاب محمد غنيمة، هو اكتشافه لمخطوطات وكتب أخرى كانت منسية تدخل فى باب الفكاهة مثل كتاب «أهل الفكاهة» لمحمد بن أحمد الشبراوى، الذى يعود للقرن التاسع عشر الميلادى. وفى الكتاب المذكور طرف لطيفة تعود لعصور المماليك والعثمانيين ومنها مثلاً أن رجال العسس قبضوا يوماً على شاب سكران، فذهبوا به إلى القاضى، فأراد أن يختبره فسأله: من ربك؟ فقال له: أصلحك الله، هذه ليست من مسائل القضاء، وإنما من سؤال منكر ونكير، فضحك القاضى وأطلقه.
وفى الكتاب لمحات من سير ظرفاء وصناع فكاهة عظام من أمثال يعقوب صنوع «أبونضارة»، وعبدالله النديم، وشفيق المصرى، وبيرم التونسى، وعبدالعزيز البشرى، وإمام العبد، ومحمد البابلى. ومن النكات اللطيفة التى أضحكتنى أن عبدالعزيز البشرى كان يسير يوما فى الشارع فاستوقفه أحد العوام، وطلب منه أن يقرأ له خطاباً، فوجد البشرى الخطاب طويلاً، فقال له: أنا لا أعرف القراءة. فرد الرجل: وكيف وأنت ترتدى فوق رأسك العمامة. فخلع البشرى العمامة ووضعها على رأس الرجل وقال له: أنت الآن تلبسها، فاقرأ خطابك.
ومن الطرائف أن عبدلله النديم عمل يوماً فى سراى والدة باشا أم الخديو إسماعيل، وكان كبير العاملين اسمه أغا باشا بديناً وله كرش لافت وكان متعجرفاً فى تأديب العمال فكتب النديم زجلاً عنه نشره فى الصحف يقول «شوف الأغا/ فى النغنغة/ زى التيران فى المزرعة/ لو كنت أنا صاحب الأغا/ كنت اشتريت له بردعه». وعلم كبير العاملين أن كاتب الزجل هو نفسه الذى يعمل تحت رئاسته وطرده.
وتبدو ضحكات المصريين عصية على البطش والقهر والمؤامرات الدولية. والله أعلم.
mostafawfd@hotmail. com