شارل فؤاد المصري
الحوثيين.. الرقم الصعب.
تصريح مهم لوزير الخارجية مارك روبيو يؤكد فيه استهداف الحوثيين بمئات الضربات ضد السفن الاميريكة.. وهنا سؤال يطرح نفسه.. هل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية القضاء على جماعة الحوثي؟ في هذا المقال نقوم بتحليل الوضع في ضوء الضربات الأخيرة.
في الأشهر الأخيرة، تصاعدت المواجهة بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي في اليمن، بعد سلسلة ضربات أمريكية وبريطانية استهدفت مواقع عسكرية تابعة للجماعة، ردا على هجماتها المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر.
الإجابة علي سؤال هل يستطيع الامريكان”التخلص” من الحوثيين ليست بسيطة، وتتطلب فهم طبيعة الجماعة وتعقيدات المشهد اليمني والإقليمي.
بدايةلا شك أن الضربات الأمريكية الأخيرة أضعفت بعض القدرات العسكرية للحوثيين، مثل تدمير منصات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة. لكن التاريخ أثبت أن الحوثيين—الذين ظهروا في تسعينيات القرن الماضي كجماعة متمردة تدافع عن الهوية الزيدية _هم طائفة دينية إسلامية شيعية، تنسب إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، في شمال اليمن—تمتعوا بمرونة عالية في مواجهة الحملات العسكرية.
فخلال الحرب التي منذ 2015، تعرضوا لقصف جوي مكثف، لكنهم احتفظوا بالسيطرة على العاصمة صنعاء ومعظم المناطق الشمالية، بل عززوا نفوذهم داخليا.
السبب يكمن في بنية الجماعة، التي تجمع بين العقيدة الدينية والتماسك القبلي، وتستفيد من الجغرافيا الجبلية لليمن التي تصعّب المواجهات البرية. كما أن الحوثيين طوروا تكتيكات هجينة تعتمد على أسلحة غير مكلفة (كالصواريخ والطائرات المسيرة) لاستنزاف الخصوم، وهو ما يجعل المواجهة معهم طويلة ومكلفة.. ولدينا في حرب الاستنزاف ضد الكيان عبرة.
وعلى الرغم من الانتقادات الدولية لسياسات الحوثيين، يتمتعون بقدر من الشرعية المحلية لدى فئات يمنية ترى فيهم مقاومة ضد التدخل الخارجي، خاصة في ظل تردي الأوضاع الإنسانية جراء الحصار.
كما أن خطابهم “المعادي لإسرائيل” و”الداعم لفلسطين” يلقى صدى في الشارع العربي، مما يزيد من صعوبة تصنيفهم كجماعة إرهابية بحتة رغم اعادة ادراجهم من قبل ترامب كجماعة ارهابية.
هنا تكمن مفارقة الضربات الأمريكية: فكلما زادت الحملات الخارجية، زادت قدرة الحوثيين على توظيف خطاب “المقاومة”، وجذب المزيد من المؤيدين، حتى من خصومهم السابقين في اليمن.
كما انه لا يمكن فصل صعود الحوثيين عن الدعم الإيراني، الذي يقدم لهم تكنولوجيا عسكرية (كالصواريخ والطائرات المسيرة) كجزء من صراع طهران في المنطقة .
هذا الدعم يجعل من الصعب عزل الجماعة إقليميا، فإيران ربما لن تسمح بانهيار حليف استراتيجي في المنطقة خاصة انه المتبقي من حلفائها بعد انهيار حزب الله عسكريا وقطع طرق امداده.
في المقابل، قد تدفع الضربات الأمريكية ادول الخليج كافة إلى تطبيع العلاقات مع إيران، مما يقلص الفضاء الذي يعمل فيه الحوثيون.
لكن هذا السيناريو يعتمد على حسابات سياسية معقدة، وليس بالضرورة أولوية للولايات المتحدة.
اذن الهدف المعلن للولايات المتحدة هو حماية الملاحة الدولية، وليس تغيير النظام في اليمن. لذا، فإن استراتيجيتها الحالية تركز على “الردع” عبر الضربات التي اري انها محدودة ويتم تنفيذها ل “الشو ” الاعلامي، دون الدخول في حرب برية مستحيلة. لكن هذا النهج ينطوي على مخاطر:
اهمها دفع الضربات الحوثيين إلى زيادة الهجمات، كما حدث سابقا مع هجمات سبتمبر 2023 ويقوي قدرتهم الداخلية لانهم يقومون بحماية شعب فقير يعاني انسانيا.. وحتى لو تراجعت قدرات الحوثيين عسكريا، فسيظلون جزءا من المعادلة اليمنية. فالحل الدائم يتطلب مفاوضات بين الأطراف اليمنية، لكن الولايات المتحدة لا تملك رغبة—أو نفوذا—لقيادة هذه العملية.
التاريخ يُظهر أن الجماعات المسلحة المتجذرة محليا نادرا ما تُهزم عسكريا، لأنه ينظر اليها داخليا على أنها جماعة مقاومة وحركة تحرر وطني
الأمر الوحيد الذي قد يُضعف الحوثيين هو حل الأزمة اليمنية عبر تسوية سياسية شاملة وهذا امر شرحه يطول.
دمتم بخير