اغنية مريبة على الممر
مصباح قطب
شىء ما يحدث فى الغرف المعتمة. شىء يتعلق بكل الممرات البحرية الحيوية وفى مقدمتها قناة السويس. لا أقول انه خير او شر ، لكن ادعو إلى منتهى اليقظة فى تتبعه وفهم مراميه ، والإصرار على كشفه ومناقشته فى الإطار القانونى والدولي السليم ، باعتبار مصر صاحبة السيادة على الممر الأهم وهو القناة .
ظننا فى البداية ان حديث ترامب عن شراء جرينلاند التابعة للتاج الدانمركى ، أمر يخص التنافس على ممر القطب الشمالي تجاريا وامنيا مع روسيا، ومن بعدها الصين التى تنامى اهتمامها بهذا القطب فى الاعوام الاخيرة، وأن حديثه عن استرداد قناة بنما، يخص المنافسة الضارية مع الصين، لكن تتابع الأحداث يشيرالى ان هناك مسعى لتاسييس منظومة عمل جديدة للنقل البحرى و كل ممرات العالم ، تتفق مع النظام أو اللا نظام الدولى ، المراد ترسيخه ترامبويا على حطام نظام ما بعد ١٩٤٥ ومؤسساته من كل النواحي .
لا حديث فى معظم الصحف والمواقع الكبرى العالمية شرقا وغربا ، هذه الأيام الا عن رسوم ترامب الجمركية ، وبدرجة ابعد عن اتجاه الإدارة الأمريكية لإعادة هيكلة عالم صناعة السفن والشحن وخطوط وممرات النقل البحرى .فاين نحن من ذلك ؟ .
كانت بلومبرج قد نشرت خبرا يوم ١٥ مارس يقول أن لجنة الشحن البحري الفيدرالية الأمريكية ستفتح تحقيقا في أسباب اختناقات الممرات الملاحية ومنها قناة السويس ، وكشف القيود و نقاط الاختناق البحرية العالمية وتقييم ما إذا كانت أي دولة أو شركة شحن بحري أو مشغّل بحري آخر يخلق ظروفاً غير مواتية للشحن الأميركي والتجارة الخارجية .
يفحص التحقيق عمليات العبور عبر القناة الإنجليزية، ومضيق ملقا، والممر البحري الشمالي، ومضيق سنغافورة، وقناة بنما، ومضيق جبل طارق، وقناة السويس.
يأتى التحقيق بحسب الخبر ضمن إجراءات اتخذها ترمب تتعلق بالصناعة البحرية العالمية، واقتراح من مكتب الممثل التجاري الأميركي بهدف الحد من هيمنة الصين على صناعة بناء السفن .
التحقيق ليس عملا فنيا او دراسة بحثية ، فهناك ، حسب الخبر ، إجراءات جزائية متوقعة قد تشمل فرض رسوم تصل إلى مليون دولار لكل رحلة ،تصل الى ما فوق ٣ مليون مع الغرامات، أو تقييد مشاركة الشركات في الاتفاقيات المُودعة لدى اللجنة مثل التحالفات البحرية، أو منع السفن التي ترفع أعلاماً أجنبية ، (صينية أساسا)، من دخول الموانئ الأميركية من بابه.
التحقيق بشأن قناة بنما، يشمل تأثرها مؤخراً بالجفاف، مما تسبب في فترات انتظار طويلة ، اما مضيق سنغافورة، فلان السفن الكبيرة تواجه فيه خطر الجنوح في المياه الضحلة، وذكرت اللجنة أنه “رغم انخفاض معدل القرصنة، لا تزال هناك تهديدات أمنية، بما في ذلك عمليات الخطف والسرقة في المناطق النائية، بالإضافة إلى مخاطر الاضطرابات الناجمة عن التوترات السياسية الإقليمية”.
اما عن قناة السويس، التي تعدها اللجنة شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية، فهى تعاني كقولها من تأخيرات متكررة بسبب ضيق مسارها المائي واتجاهها الأحادي في بعض المناطق، ومشاكل أثناء الظروف الجوية السيئة فضلا عن تأثير هجمات الحوثيين .
وطلبت اللجنة الفيدرالية تعليقات خلال الـ60 يوماً حول أسباب القيود في نقاط الاختناق البحرية المذكورة، ومدى مسؤولية الحكومات الأجنبية أو مالكي ومشغلي السفن عن هذه المشكلات.
انتهى الخبر وهنا نلاحظ ان العلاقة غير واضحة بين مشاكل الممرات وسيطرة الصين ، كعدد ، على صناعة بناء السفن ، علما بأن كوريا الجنوبية هى اهم صانع سفن كبيرة عالميا ، وان امريكا ركزت على بناء السفن العسكرية طوال عقود تاركة السفن التحاربة دون اهتمام وذلك ليس ذنب الصين ، وان اهم شركات النقل البحرى فى العالم حتى الان ليست صينية ( أكبرها دنماركية وفرنسية ) كما لم يقل احد من قبل ابدا ان تراجع القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية فى العالم سببه مشاكل الممرات ،
ثم ان التحقيق يتضمن المحاسبة على ما هو من صنع الطبيعة مثل جفاف بنما او ضحالة مياه مضيق سنغافورة او العوامل الجوية السيئة التى تؤثر علىقناة السويس احيانا. وثمة سؤال يطرح نفسه…اليس لدى الذى اعلن خططا للهيمنة على جرينلاند وقناة بنما ، وبنفوذه حتى على مضيق جبل طارق ، خطة تخص قناة السويس ، وإن كان لم يعلنها للان ؟ .
الخطير أيضا انه لا حديث عند اللجنة الفيدرالية الأمريكية عن الامم المتحدة ، أو المنظمة الدولية للنقل البحرى ، ولا العدد الكبير من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بنقل الركاب فى البحر ونقل البضائع والتحميل والمتابعة بالاقمار الصناعية وحماية الأرواح فى البحر ، ومنع التلوث إلى آخره، ومصر كمثال منضمة إلى كل ذلك. ولا حديث عن معاهدة القسطنطينية ١٨٨٨ التى لا تزال قواعدها سارية ،وهى تتعلق بحرية المرور فى قناة السويس سلما وحربا ، وضمان سلامة وامان القناة . ولماذا يتم تجاهل العمل الصخم الذى قامت به مصر منذ ٢٠١٥ لتسهيل وتسريع زمن عبور القناة وبوازع وطنى اولا اى دون ضغط أو طلب من احد.؟
فمن فوض اللجنة الأمريكية فى تخطى كل المعاهدات الشرعية وتخطى سيادة الدول التى تقع هذه الممرات تحت مظلتها ؟ وهل يكفى الاكتفاء بالاستماع إلى من يريد ان يقول شيئا، ثم جعل دول العالم والشركات، ذات الصلة بالممرات والتجارة عبرها، اما شاهدة او مجرمة فى هذا الشأن ؟ .أمر مريب حقا .
زاد من الطلاسم جملة غامضة فى مكالمة ترامب بوتين عن مناقشة تامين المرور فى البحر الاسود ، وهى جملة تكررت فى الحوار الروسي الامريكى حول أوكرانيا بالرياض يوم ٢٣ مارس . ايضا جاءت الهجمة الأمريكية على الحوثيين ،لتزيد البحر الاحمر اشتعالا وتكرس التأثير السلبي على قناة السويس ( هل تحقق اللجنة فى ذلك ؟) بغض النظر عن الأهداف الأخرى للهجوم الأمريكى ، اللافت ان خبراء امريكيين قالوا ل ” نيوزيك ” هذا الأسبوع ان الاولى بان يتصدى لهجمات الحوثيين وتعطيل الملاحة بالقناة هم الصين والخليج واوربا ،وأن الضرر التضخمى فى امريكا أساسه رد فعل الدول المستهدفة على التعريفات الحمائية الترامبية والاتجاه إلى فرض رسوم على السفن المصنوعة فى الصين التى تدخل موانى أمريكا.
أكثر من ذلك فان جدلا شديدا نتج عن إصدار ميرسك الدنماركية وثيقة أرسلت فى ديسمبر ٢٠٢٤ لكبار عملائها عن توقعاتها لشبكة المستقبل ، ومنها يبين ان عبورها من قناة السويس محدود جدا ، دون أن تربط ذلك بتوقف او عدم توقف الحوثيين، وقد ردت الشركة عما نشر بمصر عن الوثيقة بتاكيد علاقاتها القوية بمصر ومسئولى القناة واهتمامها بالقناة كاهم ممر ملاحى عالمى واستثماراتها الكبيرة بميناء شرق بورسعيد ( وهو مفتوح على المتوسط مباشرة اى يمكن دخوله دون المرور بالقناة ) وميناء دمياط ..الخ ،لكن تبقى هناك أسئلة ينبغى طرحها على ميرسك وغيرها من شركات النقل البحرى واللوجستيات العالمية، حول التحالفات الثنائية بين الشركات الست الكبرى وأثرها على قواعد المنافسه واحتمال وجود شبهه ممارسات احتكارية ؟ .
وحول ما إذا كانت الزيادة الضخمة فى أرباح أكبر الشركات فى ٢٠٢٤ رغم المرور الطويل فى رأس الرجاء الصالح ستقلل من دوافعها للعودة إلى القناة، ؟.
وما هي الأمور/الظروف التي إذا توفرت تعود تلك الشركات للعبور من خلال قناة السويس ،
وكم يستغرق من وقت من يوم التأكد من سلامة الملاحة و أمان الإبحار الي عودة إستخدام قناة السويس كليا أو تدريجيا ؟
ما هي الوفورات التشغيلية المتوقعة للعودة لإستخدام قناة السويس ؟
ما هو فرق إنبعاثات الكربون بين إستخدام قناة السويس و المرور حول رأس الرجاء الصالح ،لشركات تقول كلها ان لديها خططا لتفصفير بصمتها الكربونية؟.
الى اي حد يمكن القول بان تكاليف الشحن كانت احد عوامل تغذيه التضخم في معظم دول العالم في الاعوام الاخيره ؟
هل يشجع انخفاض اسعار البترول شركات الملاحه على التوسع المستمر في استخدام طريق راس الرجاء الصالح ؟
ومصير استثمارات تلك الشركات حول افريقيا وفي مواضع اخرى لتيسير العمل من خلال مسار راس الرجاء الصالح في حال العوده الى قناه السويس ؟
وأخيرا اليس من واجب الشركات المتحالفة ان تصدر ميثاقا تحدد فيه موقفها من المساع الترامبية لادلجة أو تسييس منظومة النقل البحرى بكاملها، وتؤكد التزامها بقواعد التجارة الحرة والعادلة والمنافسة الشريفة ؟ ، ونظرة تلك الشركات الى انعكاس ما يمكن ان يسمى التنافس الشرس بين الممرات ( طريق الحرير الصينى .طريق الحرير الهندي الامريكي، الممر الشمالي. البحر الاسود .ممر تايوان .؟ ).
لقد جرت محاولات أمريكية منذ ٢٠١٢ لعمل تحالف عسكرى فى منطقتنا بحجة مواجهة القرصنة وتأمين الملاحة فى المحيط الهندى وبحر العرب والخليج العربى والبحر الأحمر… فهل ما يجري الآن امتداد للمحاولات السابقة واستغلال لحالة ضعف إيران واذرعها الميليشياوية ، ام انه ابعد بكثير ؟ . من يستفيد من التوجه، أو الصراع ، الجديد ، بشأن الممرات ومن يضار ؟ ، انحن بصدد محاولة تحكم أمريكي على حركة كل تجارة العالم بغطاء تلك التحقيقات ؟ أين موقف الصين الطامحة لان تكون الاقتصاد رقم واحد عالميا بعد سنوات خاصة وان ما ظهر من مواقف ترامب وادارته يببين حرص امريكى واضح على شل طريق الحرير الصينى والصين أكبر تاجر عالمى من ناحية ومن ناحية اخرى ف قناة السويس هى رمانة ميزان هذا الطريق ؟.
هل يراد شطب القناة بنعومة من الوجود ، ام مشاركة أمريكية بالابتزاز فى إدارتها ، ام إستخدام التهديدات الصهيونية فى حال هدات معارك الحوثي ،لضمان استمرار تهديد العبور فى القناة .،؟
ليس لدي اجابة ولكن فقط اقول :
انتبهوا رجاء .