التوتر في كوريا أخطر من أي وقت مضى!!
كمال جاب الله
[email protected]
بشهادة المجتمع الدولي، تجاوزت جمهورية كوريا – بامتياز – أزمتها السياسية، وحققت انتصارًا ديمقراطيا مبهرًا على الفوضى، وتتأهب لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أوائل يونيو، غير أن التوتر الأمني بشبه الجزيرة الكورية يظل هو الأخطر.
في أثناء جلسة طارئة لمجلس الأمن القومي في بلاده، قال القائم بأعمال الرئيس في كوريا الجنوبية، هان دوك-سو: “الوضع الأمني بشبه الجزيرة الكورية صار – الآن – أخطر من أي وقت مضى”، مشيرًا إلى أن كوريا الشمالية تواصل استفزازاتها النووية والصاروخية، بالإضافة إلى هجماتها الإلكترونية ضد الشطر الجنوبي.
في وقت لاحق، أعلن القائم بأعمال الرئيس الكوري أنه يجب المحافظة على وضع الاستعداد ضد أي استفزاز، أو جهد دعائي محتمل من الشمال، الذي قد يسعى إلى استغلال حالة عدم اليقين السياسي الحالية، وكذلك، التعامل بفاعلية مع الآثار الأمنية الناجمة عن العلاقات العسكرية المتنامية، بين روسيا وكوريا الشمالية.
صرح هان بأن تحسين أنظمة أسلحة الشمال من خلال التجارة غير المشروعة مع روسيا يستهدف كوريا الجنوبية، أساسا، باعتبارها دولة معادية، في الوقت نفسه يسعى النظام لتوريث السلطة، وتطوير الأسلحة و”يتجاهل الحياة البائسة لشعبه”! التحذيرات نفسها صدرت على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة بكوريا الجنوبية، كيم ميونج-سو، الذي دعا إلى الاستعدادات القصوى في مواجهة أية استفزازات شمالية، مؤكدًا ضرورة مراقبة أنشطة الشمال بالمناطق الحدودية، في ضوء تطور القدرات الحربية الواقعية لبيونج يانج على خلفية إرسال قوات لروسيا.
كان الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، قد هدد بأن بيونج يانج لن تتردد في استخدام جميع القوات الهجومية المتاحة في حال الاعتداء عليها، مؤكدًا إمكانية استخدام الأسلحة النووية، إذا حاولت دول أخرى التعدي على بلاده.
من جانبها أدانت شقيقة الزعيم، نائبة مدير إدارة اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم، كيم يو-جونج، تعهد سول وطوكيو وواشنطن بنزع السلاح النووي من كوريا الشمالية، وأضافت شقيقة الزعيم أن تعهد العواصم الثلاثة هو “مجرد حلم يقظة لن يتحقق أبدًا، وأن وضع كوريا الشمالية كـ”دولة تمتلك أسلحة نووية” هو نتيجة للخيار الحتمي الذي يعكس بدقة التهديدات العدائية من الخارج والتغيير في هيكل الأمن العالمي الحالي والمستقبلي، لذا فإن الأمر لن يتغير مهما حاولت أي جهة إنكاره”.
صرحت كيم بأن مناقشة تفكيك الأسلحة النووية أو إحياء “المفهوم الميت المتمثل في نزع السلاح النووي” لا يشكل سوى “العمل الأكثر عدائية المتمثل في إنكار” سيادة الدولة ومحاولة إجبارها على “التخلي عن دستورها ونظامها الاجتماعي”.
وأكدت أنه “إذا استمرت الولايات المتحدة وحليفاتها التابعة في الإصرار على مفهوم نزع السلاح النووي – الذي عفا عليه الزمن – بينما تتحدث عن التهديد، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى توفير غطاء قانوني وتبرير غير محدودين للتقدم” في سعي كوريا الشمالية إلى أن تصبح “أقوى قوة نووية للدفاع عن النفس”. وفقًا لتقرير استخباراتي أمريكي بشأن التهديدات العالمية الراهنة، ورد أنه “من المرجح أن تكون كوريا الشمالية مستعدة لإجراء تجربة نووية أخرى (السابعة) في المستقبل القريب”.
وأشار التقرير إلى أن الزعيم كيم جونج-أون ينظر إلى تطوير الأسلحة النووية والصاروخية، وتعميق العلاقات مع روسيا، واستقرار اقتصاد بلاده، كعوامل تعزز موقفه التفاوضي، وتقلل من الحاجة إلى رفع العقوبات الدولية. فيما يتعلق بتعميق العلاقات مع روسيا وفي ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين بيونج يانج وموسكو، تؤكد تقارير أخرى – صادرة في سول – أن الجيش الكوري الشمالي اكتسب خبرات حقيقية في الحرب الحديثة، نتيجة لمشاركة نحو 10 آلاف من جنوده، إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، وعلى ما يبدو، فقد حصدت بيونج يانج مكافآت تكنولوجية واقتصادية كبيرة جدًا من موسكو، خلال الفترة الماضية.
أيضًا، تشير التقارير إلى أن التكنولوجيات العسكرية الحساسة التي حصلت عليه كوريا الشمالية من روسيا تشمل صواريخ مضادة للجو، ومعدات دفاع جوي، والتعاون في مجالات تطوير المفاعلات النووية الصغيرة للغواصات، والأقمار الاصطناعية للتجسس، وإعادة الدخول للصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
قدرت وزارة الوحدة الكورية الفوائد الاقتصادية التي حصلت عليها كوريا الشمالية من روسيا بأنها تبلغ حوالي 3 مليارات دولار، وهو ما يمثل نحو 30% من ميزانية الشمال السنوية، مشيرة إلى أن الفوائد الاقتصادية الروسية تعوض – إلى حد ما – حالة الفتور بين بيونج يانج وبكين، التي كانت – تقليديا – أكبر داعم اقتصادي لها.
مؤشر القوة العسكرية العالمي “جلوبال فاير باور GFP لعام 2025″، الذي يقيم القدرة المحتملة على شن الحرب لـ 145 دولة بالوسائل التقليدية، ذكر أن كوريا الشمالية احتلت المرتبة 34 من حيث القوة العسكرية على مستوى العالم، وهي مرتبة أعلى بدرجتين عن العام الماضي، 2024، مؤكدًا أن انضمام القوات الكورية الشمالية إلى الحرب الروسية في أوكرانيا تبين أنه تطور مثير للاهتمام في الصراع بأوروبا، بينما جاءت القوة العسكرية لكوريا الجنوبية في المرتبة الخامسة عالميًا، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى، تليها روسيا والصين والهند على التوالي.
استخدم التصنيف أكثر من 60 عاملاً لتوليد ما يعرف بدرجة مؤشر جلوبال فاير باور، مثل حجم المعدات العسكرية والقوات المملوكة لكل دولة وميزانية الدفاع، وذكر التقرير أن أعداد أفراد الجيش والقوات الجوية في كوريا الشمالية بلغت 1.37 مليون و110 آلاف جندي، وهو ما يجعلها في المرتبة السادسة على مستوى العالم، وبلغ عدد أفراد البحرية 60 ألفًا، هو ما يجعلها في المرتبة الثانية عشرة.
وسط هذه الحشود والأجواء الأمنية المشحونة بالتوتر، وهي “الأخطر من أي وقت مضى” بشبه الجزيرة الكورية، كشفت واشنطن وسول عن توقيع خطة عمليات مشتركة للتعامل “في زمن الحرب”، مع التهديدات النووية والصاروخية الشمالية.
في الوقت نفسه، نشرت كوريا الجنوبية صاروخًا جديدًا خارقًا للتحصينات تحت الأرض، ويمكنه توجيه ضربات دقيقة متزامنة في فترة قصيرة، ضد هجمات المدفعية بعيدة المدى الشمالية، التي تهدد العاصمة الجنوبية بمنطقة سول الكبرى.