ولقد ناديت كثيراً فى الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، برفع الحد الأدنى للأجور، كما ناشدتُ جميع زملائى، رجال الصناعة والإنتاج والأعمال فى مصر، بتحقيق ذلك، لضمان الأداء المتميز للعامل، وتحقيق العلاقة الطيبة بينه وبين شركته، وكذلك علاقة الحب بينه وبين الآلة، والتى تؤدى من ناحية إلى زيادة الإنتاج، ومن ناحية أخرى إلى حلٍ، ولو جزئى لمشكلة العامل الاقتصادية، تحقيقاً لهدف العدالة الاجتماعية.
من هذا المنظور يكتب محمد فريد خميس
رئيس إتحاد جمعيات المستثمرين
مقالته الرائعة
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ). واحدة من روائع آيات القرآن الكريم، المؤكدة على المكانة العظيمة للعمل، وعلي مقامه الرفيع، فالعمل شرف، العمل كرامة، العمل عبادة. فبالعمل تتقدم الأمم، وترتقى المجتمعات، وبالعمل تتحقق الآمال، وتتحول الأحلام إلى حقائق واضحة للعيان.
وشهر رمضان الكريم، لاشك أنه أعظم الشهور على الإطلاق، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، الشهر الذى يتجلى الله تعالى فيه على عباده بالرحمات والنفحات والفيوضات، فيعفو عن كثير..شهر يسعي فيه الناس جميعاً إلي الله.
وفى تقديرى أن أعظم ما يتقرب به الإنسان إلى ربه، فى هذه الأيام الطيبة، المزيد من العمل، وهنا أقسم العمل نفسه إلي قسمين: عمل للروح والوجدان، بالصلاة والصيام وتلاوة القرآن، وغير ذلك من جميل العبادات المتقرب بها إلى الله تعالى.. وعمل آخر، عشت عمرى كله مؤكداً على ضرورته، بل حتميته، وهو العمل من أجل الإعمار والإنتاج .
وهنا أنحنى احتراماً لكل من جمع بين هذين الحسنيين، فتراه في ميدان عمله، صانعاً ماهراً منتجاً أميناً، حريصاً على الإجادة، محافظاً على وقته، وأوقات الآخرين، غير مضيع لحقوقهم عليه، ثم إذا حلت أوقات راحته تحولت هذه الطاقة كلها إقبالاً على الله تعالي، رجاءً في مغفرته، وطمعاً فى رضاه. وهو لاشك إقبال صادق، إقبال من أدى بصدق حق الناس عليه، ثم أقبل مسروراً ليؤدي بصدق حق الله عليه، إننى أتصوره يقيناً، إنساناً نقياً تقياً، صفت نفسه، فاستُجيبت دعوته ، إذ أدرك تماماً حقيقة العبادة ، فهى ليست هروباً من مسئولية ، وتفريطاً فى أمانة ، بل هى راحة للضمائر، وبحث عن الحلال فى لقمة العيش.
إن أجمل لحظات حياتى تلك التى أقضيها مستمعاً إلى صوت آلات المصانع، قد يراها البعض ضجيجاً ، وأراها ابتهالاً وعبادة وتسبيحاً للمولى جل شأنه، الذى أمرنا جميعاً بالسعى فى الأرض لإعمارها واستخراج خيرها، لأن اليد العليا خير من اليد السفلى، ولأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ، ولأن الأمر بالعمل لم يستثن منه أحد، حتى الأنبياء والمرسلون، فقد عمل آدم بالزراعة ، وداود بالحدادة، ونوح بالنجارة، وإدريس بالخياطة، وصالح بالتجارة، وعيسى بالصباغة، ومُحمد برعى الغنم والتجارة، وكان من هديه (صلي الله عليه وسلم) الدعوة المستمرة إلى العمل، بل إلى إجادة العمل: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، كما قال (صلي الله عليه وسلم) : ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده.
ولما مر أمامه (صلي الله عليه وسلم ) وأمام أصحابه شاب جلد قوى، قال الأصحاب رضوان الله تعالى عنهم جميعاً: يا رسول الله: لو كان هذا فى سبيل الله ، فقال المعلم العظيم : إن كان خرج يسعى على ولد صغار، فهو فى سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو فى سبيل الله، وإن كان خرج على نفسه يعفها، فهو فى سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة، فهو فى سبيل الشيطان.
إن العالم يتسارع من حولنا ، والبلاد تتنافس فيما بينها ، لتتبوأ مكانة أفضل بالعلم والعمل.
ولقد ناديت كثيراً فى الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، برفع الحد الأدنى للأجور، كما ناشدتُ جميع زملائى، رجال الصناعة والإنتاج والأعمال فى مصر، بتحقيق ذلك، لضمان الأداء المتميز للعامل، وتحقيق العلاقة الطيبة بينه وبين شركته، وكذلك علاقة الحب بينه وبين الآلة، والتى تؤدى من ناحية إلى زيادة الإنتاج، ومن ناحية أخرى إلى حلٍ، ولو جزئى لمشكلة العامل الاقتصادية، تحقيقاً لهدف العدالة الاجتماعية.
وأنادي كذلك، وفي الوقت نفسه، بالمزيد من العمل، فى رمضان وفى غيره، فهو السبيل لمستقبل أفضل، هو السبيل لاقتصاد أقوى، هو السبيل لسلعة منافسة، هو السبيل لعملة متماسكة.
إننى أشعر بسعادة كبيرة لما أرى جهود المسئولين لا تتوقف، بدايةً من السيد الرئيس، ورئيس الحكومة مروراً بالوزراء والمحافظين، وصولاً إلى رؤساء الهيئات وكبار الموظفين، هى رسالة شديدة الوضوح أنهم يبدأون بأنفسهم، داعين الناس جميعاً إلى مساندتهم، بشراكة حقيقية فى عملية البناء.
إن مصر عظيمة، فاض خيرها فى أحلك الأوقات، على الدنيا كلها، وصف ربنا خزائنها بأنها (خزائن الأرض) لأنها كانت أرضاً للعمل والكفاح والصبر وإنكار الذات، فأطعمت بلاداً كانت جائعة، وكستها وكانت عارية، كانت هذه مصر، التى نفاخر بها على الدوام ، هى مصر التى نتمناها، وهى مصر التى يجب أن نتبناها.