منجي علي بدر
الوزير المفوض والمفكر الاقتصادي
ظهر مصطلح “الثورة الصناعية الرابعة” في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عام 2016 وكان ينبئ بثورة تكنولوجية جديدة ستقلب أسلوب التعامل الذي نعيش به وسيكون مختلفاً عما شهده العالم من قبل في كل المجالات.
فقد فاق التطور الهائل للثوره الصناعية الرابعة ، الذي نعيشه حاليًا ما أحدثته الثورات الثلاث السابقة بمراحل ، فقد تميَّزت كل ثوره من الثورات الصناعية السابقة باختراع تكنولوجي أو علمي كبير، أحدث طفرة في أنماط الاقتصاد وطرق الإنتاج تبعه تغيير في الحياة الاجتماعية للأسر والأشخاص على مستوى العالم.
ونعرض لملامح الثورات الثلاث:-
١- الثورة الصناعية الأولى:-
تعتبر هذه الثورة نقطة تحول في نمط الحياة البدائي ووسائل الانتاج التي استمرت لآلاف السنين، إلى أحوال أخرى مختلفة، وقد حدثت بفعل اختراع المحرِّك البخاري في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وهو آلة تستخدم قوة البخار لأداء عمل ميكانيكي بواسطة الحرارة، وينتج عنها طاقة .
٢-الثورة الصناعية الثانية:-
حدثت بسبب ظهور الكهرباء في أواخر القرن التاسع عشر وفتحت الأبواب أمام عدد من الاكتشافات والاختراعات من أهمها إختراع محرِّك الاحتراق الداخلي الذي أحدث ثورة في صناعة وسائل النقل، كالسيارات وغيرها ، وأيضًا اكتشاف البترول الذي حل محل كل مصادر الطاقة الأخرى ساعد في تطوير طرائق الانتاج.
٣-الثورة الصناعية الثالثة:-
بدأ مع الثوره الثالثة عهد جديد من التكنولوجيا، فظهرت الرقمنة (Digitization) والمعالِجات الدقيقة للبيانات والمعلومات والإنترنت وبرمجة الآلات والشبكات في النصف الثاني من القرن العشرين، و ظهر الكمبيوتر وما أحدثه في عالم تخزين ومعالجة المعلومات واستخدام الآلة وبرمجتها ورقمنتها ، وثورة في عالم الاتصالات نتيجة ظهور الانترنت، وساعد التطور في خوادم (Server ) الكمبيوتر على تخزين المعلومات ومعالجتها وكذا صعود المنصات الرقمية العملاقة مثل فيسبوك، تويتر، جوجل وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي أثرت بالسلب والايجاب على العلاقات الاجتماعية التقليدية.
٤-الثورة الصناعية الرابعة:-
هي امتداد طبيعي لما سبقها من ثورات وظهور تكنولوجيات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وسلسلة الكتل (Blockchain)، والكثير من الاختراعات الأخرى .
ويظل السؤال هل الدول مستعدة للتحولات الكبيرة نتيجة الثورة الصناعية الرابعة؟
٥-العالم والثورة الصناعية الرابعة:-
تكمن أهمية الثورة الصناعية الرابعة بأنها ستمثل عصب الاقتصاد العالمي في المستقبل حيث لن يكون للنفط الثقل الاقتصادي كما هو معروف الآن،
والثوره الصناعية الرابعة هي ثورة الأجهزة الرقمية بما تحتويه من وسائل تواصل اجتماعي وتطبيقات وبرامج
غيرت البشر وجعلتهم مكشوفين للجميع ، ثورة جعلت أغلب الناس غارقون في ومع هواتفهم الذكية ينتقلون من (تويتر) إلى (فيسبوك) إلى (انستجرام) وصار التشتت الذي تفعله هذه البرامج خصوصاً للجيل الجديد
سمة عامة .
والسؤال مرةً أخرى هل صار هذا الجيل مدمناً لأجهزتهم الرقمية ؟ وكيف استفاد صُناع هذه الثورة الرقمية مثل جوجل وفيسبوك، ومايكروسوفت ؟ لقد كسبوا المليارات من الدولارات سنوياً ، ووظفوا بيانات الأشخاص لصالحهم والاستمرار في جني الأرباح الخيالية.
ومن أهم أعراض ومشاكل إدمان الأجهزة الرقمية هي التشتت وعدم التركيز وللأسف للكبار والشباب والصغار.
ودخول البشرية لعبودية من نوع جديد هي عبودية الأجهزة الرقمية بما تحتويه من برامج وتطبيقات.
وقد أشار لذلك العديد من خبراء الاجتماع والطب في العالم منبهين لخطورة إدمان الأجهزة الرقمية والتي سلبتنا الكثير من وقتنا وصحتنا وطاقاتنا، ولا ندعو بالطبع لهجر الأجهزة الرقمية فهذا مستحيل،لكن ندعو لاستخدامها الاستخدام المناسب والصحيح.
٦-مصر والثورة الصناعية الرابعة:-
لم تغفل الدولة المصرية الاتجاه العالمي نحو تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وإنما وضعت خططًا للتحول الى المجتمع الرقمي بما يسهم في تحقيق الاصلاح الإداري وتطوير الخدمات الحكومية وتحسينها ومكافحة الفساد وبذلت الدولة الجهود لتطوير البنية المعلوماتية بواسطة وزارة الاتصالات مع عدد من الوزارات الأخرى. وهناك عده قرارات إيجابية بالدخول في مجال صناعة الالعاب الإلكترونية والاهتمام بتدريب الشباب في هذا المجال الهام .
كما دشنت مصر عددًا من المبادرات القومية للتحول للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات والابتكار، وتم تأسيس المجلس الأعلى للتحول الرقمي و تأسيس مجلس وطني للذكاء الاصطناعي يتبع مجلس الوزراء منذ عام 2019 ، و إنشاء المجلس القومي للمدفوعات، وإنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبرانى وغيرها من المبادرات القومية – وأهمها مشروع ” مصر الرقمية” – التي تقود الدولة لطريق التحول الرقمي واقتصاد المعرفة لتحسين معدلات الاداء لعدد من القطاعات مثل النقل والطرق وتطوير منظومة التعليم والصحة والتكنولوجيا المالية والشمول المالي والرقمي والأمن والسلامة وتأمين الاشخاص والمنشآت والمدن والمجتمعات الذكية.
وطبقا لترتيب مصر في دليل التنافسية العالمية مازال أمامنا طريق طويل لاجتيازه على مستوى الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام ، ويجب أن ننمي الوعي الإيجابي للرأي العام بالتحولات الكبيرة التي تحدث في العالم وأهمية مشاركة مصر فيها ، حيث لم تساهم مصر في الثورات الصناعية الأولي والثانية والثالثة وحان الوقت لكي نساهم في الثوره الصناعية الرابعة بفاعلية وحتي نلحق بحركة التاريخ كعهد مصر في بناء الحضارات.
—//——
٤ يوليو ٢٠٢٢