تاج الدين عبد الحق
رئيس تحرير إرم نيوز
إلى وقت قريب ظل انتقاد طروحات، وآراء الشيخ محمد متولي الشعراوي، من المحرمات التي لم يجرؤ كثيرون على تناولها أو الاقتراب منها.
ورغم الأصوات الكثيرة التي كانت تنادي بمراجعة الخطاب الديني بشكل عام، إلا أن الشيخ الشعراوي ظل بالإجمال بعيدا عن التناول، ومحصنا من كل نقد، وكان يوصف دائما بأنه إمام الوسطية وشيخ الاعتدال، رغم ما كانت تتضمنه خطبه وبرامجه التلفزيونية من آراء مثيرة للجدل، وهي آراء معروفة وموثقة صوتا وصورة قبل أن تكشف عنها بالخصوص الحملة الأخيرة التي تعرض لها الشعراوي، والتي وضعت إرثه كلّه موضع مراجعة نقدية، طالت كلَّ ما قاله، وما كان يعتبره كثيرون صحيحا، صحة البديهيات والمسلمات.
أهمية هذه المراجعة، التي تصل بوصولها للشيخ الشعراوي، إلى سنام الخطاب الديني المضطرب، أنها تفتح الباب لمناقشة أسباب تراجع الخطاب الدعوي التقليدي، ليحل محله العمل الدعوي التلفزيوني، الذي لونته على مدى أربعة عقود، مصالح أو مطامع سياسية، وغذته مطامح شخصية ورغبة النجومية وبريق الثروة، حتى لو كان كل ذلك على حساب الفهم الصحيح للدين، وحتى لو تضمن –ذلك العمل- الكثير من الافتراءات والقصص المختلقة التي تفتقر إلى سند صحيح أو منطق مقبول.
وللإنصاف، فإن حقبة الشيخ الشعراوي وما واكبها من أشكال دعوية، أو ظهر نتيجة لها، سببها، تراجع تأثير الخطاب الديني الرسمي، سواء عبر وسائل الإعلام، أو فوق منابر المساجد.. فقد وجدنا مع ثورة الإعلام وخاصة الإعلام التلفزيوني والقنوات الفضائية، ومع غفلة المؤسسات الرسمية، أو انشغالها، طلبا متزايدا على الأحاديث الدينية التي ملأت الشاشات، واعتلت المنابر دون أن يكون لها ضابط، أو رقيب.
في هذا الجو، أصبح الخطاب الديني موزعا بين أنماط متعددة من الدعاة والخطباء. وكان الفضاء واسعا يتسع للجميع، ولم يكن هناك من يلتفت في زحمة الطلب المتزايد إلى التمييز بين الغث والسمين، ولا بين المعتدل والمتطرف أو بين الضار والمفيد، ولا بين الدعاة والأدعياء.
ظهر في هذا الجو الشيوخ أصحاب الأجندات الذين يفصلون مقاس خطابهم على مقاييس معازيبهم، أو على مقاس ظروف سياسية متغيرة، فيفتون بلا وجل ولا تردد في قضايا جرّت ويلات على المسلمين، وأورثتهم حروبا ومصائب لازالوا يكابدون آثارها ويدفعون أثمانها إلى الآن.
شهدنا في هذه الحقبة كذلك، من عرفوا بالدعاة الجدد الذين تاجروا بالخطاب الديني؛ لتحقيق شهرة لا يستحقونها، وجنوا ثروات وامتيازات مادية من خلال استغفال البسطاء من الناس وشرائح واسعة من العامة.
فوضى الخطاب الديني فتحت الباب واسعا أمام الغلاة والمتعصبين الذين استغلوا ظروفا سياسية أو صعوبات اقتصادية واجتماعية، ليجعلوا من خطابهم الديني الموتور سببا في نشأة ظواهر تنظيمية ظاهرها الانتصار للدين والدفاع عنه، وجوهرها وهدفها الحقيقي الوصول للسلطة والسيطرة على الثروة.
في هذه الفوضى العارمة، ظل الشيخ الشعراوي بما يملكه من كاريزما تلفزيونية، خطاً أحمر، وظلت طروحاته وآراؤه رغم ما فيها من غلو أحيانا وغرابة وجرأة على الاعتدال، بعيدة عن النقد، وخارج دائرة الاستهداف.