عبدالفتــــــــــاح الجبـــــالــى أعلن رئيس مجلس الوزراء، عقب اجتماع الحكومة عن مجموعة من الإجراءات التى ستتخذها الحكومة حيال بعض القضايا الإقتصادية ومن ضمنها تكليف وزارة المالية بالإعداد لسياسة ضريبية للسنوات الخمس والعشر المقبلة، وذلك لتشجيع الإستثمارات وبما يضمن إستقرار هذه السياسة.
ويتزامن ذلك مع الإعلان عن مشروع قانون بتعديل الضرائب على الدخل يتضمن العديد من الأمور المهمة على رأسها زيادة مبلغ الإعفاء الشخصى للممول ليصبح 15 ألفا مقابل 9 آلاف فى الوقت الحالى، يضاف إلى ذلك إضافة شريحة جديدة بسعر 27.5% على من تجاوز صافى دخله السنوى 800 ألف جنيه، وذلك لتعويض الفقد الضريبى الناجم عن زيادة الإعفاء الشخصى، هذا فضلا عن بعض الأمور الأخرى، وهو ما يحتاج إلى المزيد من الدراسة.
فمن المعروف أن الأزمة الإقتصادية الحالية تلقى بالمزيد من العبء على السياسة المالية عموما والإنفاق العام على وجه الخصوص خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإجتماعية المطلوبة لحماية الفقراء ومحدودى الدخل من الآثار السلبية لهذه السياسة، مثل توسيع نطاق برنامج «تكافل وكرامة» ليغطى خمسة ملايين أسرة وتعميم نظام التأمين الصحى.. إلخ.
وكلها أمور تتطلب البحث عن حيز مالى معقول يسمح بتنفيذ السياسات المرغوبة لتحقيق التنمية الاحتوائية، ويسهم فى تحقيق الإستقرار الإقتصادى ويعمل على ضمان وصول ثمار النمو إلى الفقراء والطبقة الوسطى، وذلك عن طريق التصميم الجيد للسياسة المالية على جانبى الإيرادات والمصروفات.
إذ إننا نلحظ أن جميع الجهود المبذولة حاليا من جانب السلطة المالية لعلاج عجز الموازنة قد ركزت فى معظمها على جانب المصروفات خاصة الأجور والدعم. وهى السياسة التى تتعرض حاليا لتحفظات ليس فقط على الصعيد المحلى ولكن أيضا على الصعيد الدولى،
بل إن صندوق النقد الدولى نفسه بدأ فى إعادة النظر فى هذه السياسة، حيث يرى أن سياسة التقشف التى كان يدعو إليها عن طريق تخفيض النفقات العامة قد أدت فى النهاية إلى المزيد من عدم المساواة وسوء توزيع الدخول، بل وأقر بأن هناك إفراطا فى تخفيض الموازنات مما أدى إلى نتائج عكسية أضرت بأهداف النمو والعدالة الإجتماعية وحتى استمرارية السياسة المالية ذاتها.
فمن المعروف أن الضرائب تلعب عدة أدوار مهمة، فهى من جهة إحدى الآليات الأساسية لتحقيق العدالة الإجتماعية بين مختلف الفئات والشرائح الإجتماعية، بحيث يتحمل الفرد ما يخصه من أعباء عامة بما يتناسب مع مقدرته التكليفية، دون إخلال بالتوازن الحتمى بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة.
كما أنها تعتبر، من جهة أخرى، من أهم العوامل المؤثرة على القدرات الإقتصادية والتنافسية للدولة، وذلك لما لها من تأثير واسع النطاق على أداء جميع القطاعات الفاعلة فى المجتمع.
فبالإضافة إلى تأثير السياسة الضريبية وآلياتها على مسار الإستثمار القومى بشقيه المحلى والأجنبى، فإنها تمثل عاملا أساسيا فى تحديد قدرة الدولة على إدارة النشاط الإقتصادى وتحقيق أهداف خطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
يضاف إلى ماسبق ضرورة توفير موارد مالية للدولة تستطيع استخدامها فى القيام بأدوارها المنوطة بها، وضرورات الإنفاق العام. فالعدالة الضريبية لا يمكن مناقشتها بصورة صحيحة بمعزل عن الإنفاق العام الذى تموله.
وقد استقر الفكر الإقتصادى والمالى الحديث على أن النظام الضريبى الكفء هو الذى يساعد على إيجاد مناخ جيد للاستثمار، مع ضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الضريبية، ويوفر الموارد المالية اللازمة لخزانة الدولة لتمويل الإنفاق العام (بشقيه الجارى والاستثمارى). شريطة أن يتحقق ذلك فى إطار من التنسيق والتناغم بحيث لا يطغى هدف على آخر.
وبالتالى فالسياسة الضريبية الكفء هى التى تتمكن من توليد زيادات فى الإيرادات بما يتواكب مع النمو فى الدخل الأسمى دون تغييرات متواترة فى معدلات الضرائب أو إدخال ضرائب جديدة.
وهنا يرى خبراء الاقتصاد أن النظام الضريبى الجيد يجب أن يتسم بعدة سمات أساسية يأتى على رأسها العدالة، أى تساوى عبء الضريبة على جميع دافعى الضرائب وبحسب طاقة الفرد على الدفع. كما يجب أن يتمتع النظام بالكفاءة أى عدم إحداث أى اضطرابات فى تخصيص الموارد، ولايؤثر بالسلب على حوافز الإنتاج والإستثمار والإدخار والطاقات الإنتاجية.
وبالتالى يجب أن يراعى الملاءمة الزمنية لفرض الضرائب وكذلك الملاءمة المكانية. يضاف إلى ما سبق ضرورة توافر الشفافية الكاملة فى النظام والقوانين المعمول بها بحيث تكون واضحة الصياغة جيدة التعريف سهلة الفهم مستقرة.
من هذا المنطلق فإن دراسة مدى كفاءة النظام الضريبى المصرى وعدالته تتطلب دراسة خصائص هذا النظام وعناصره المختلفة والعوامل المؤثرة فيه وغيرها من الأمور المرتبطة بهذا النظام،
وهنا تشير الإحصاءات إلى الإنخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الإقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبية حيث لا تمثل سوى 13% من الناتج المحلى الإجمالي.
وهنا يفرق الإقتصاديون بين الطاقة الضريبية الممكنة والطاقة الفعلية، والفرق بينهما يعبر عن قدرة الدولة على توسيع المجتمع الضريبى دون إحداث آثار اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية سلبية لا يمكن تحملها، وتتوقف هذه المسألة على عدة عناصر اساسية منها مستوى النمو الإقتصادى للدولة، ونمط توزيع الدخول فى المجتمع وإنتاجية الإنفاق العام. وقدرة الأجهزة الإدارية الحكومية على تحصيل الضرائب.
مما سبق يتضح لنا أن هناك مشكلات عديدة يعانيها النظام الضريبى المصرى على رأسها عدم تناسب الحصيلة مع ما يحققه العديد من الجهات والأفراد من عوائد وأرباح من جهة، واختلال العبء الضريبى الواقع على البعض منها من جهة أخرى، ومازال النظام الضريبى يعانى ضيق المجتمع الضريبى بصورة كبيرة، الأمر الذى يشير إلى إمكانية صانع القرار فى التحرك دون الضغط على دافعى الضرائب، ولكن بالعمل على توسعة المجتمع الضريبى.