أوكرانيا أمام طريق مسدود .. وانحسار شعبية «زيلينسكى»
د. سامى عمارة
صحيفة بوليتيكو: الفساد فى أوكرانيا يمكن أن يقوض ثقة القادة الغربيين فى نظام كييف ويؤدى إلى وقف المساعدات الغربية لأوكرانيا
شهدت الأشهر القليلة الماضية تراجع شعبية الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكي، فى وقت مواكب لإعلانه إلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة فى الربيع المقبل، بحجة «أن الوقت غير مناسب لإجراء هذه الانتخابات». وكان الجنرال فاليرى زالوجنى القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية قد نشر مقالا فى مجلة «إيكونوميست» البريطانية انتقد فيه سياسة زيلينسكي، مؤكدا أن «أوكرانيا وصلت الى طريق مسدود ولا أمل فى تحقيق انفراجة»، ما أثار عاصفة من التعليقات السلبية التى تكاد تطيح بما بقى من وقار ومكانة للنظام القائم فى كييف، حسبما أشارت مجلة «نيوزويك» الأمريكية. وتحولت أكثر الصحف والمجلات الغربية عن سابق عهدها من التضامن اللا مشروط مع الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكي.
وقد راحت هذه الصحف تنشر أكثر المقالات حدة وصراحة بعيدا عن سابق التحفظ والموالاة حول «ما أسفرت عنه المواجهة مع روسيا من دمار للبنية التحتية ومصرع مئات الألوف من الأوكرانيين فضلا عن ملايين اللاجئين الذين تدفقوا على البلدان المجاورة وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي، بينما ترزح البلاد فى حالة فقر مدقع فى الوقت الذى وصل فيه الفساد إلى مستوى غير مسبوق!».
مقالة القائد العام
وها هى «ايكونوميست» البريطانية تنشر مقالا لفاليرى زالوجنى القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية الذى لطالما كان الأقرب إلى الرئيس الأوكراني، ينتقد فيه سياسات زيلينسكى ويقول صراحة إن «أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود».
كما أقر زالوجنى فى مقاله «بفشل الهجوم المضاد الأوكراني، وبأن قواته لم تتمكن من تحقيق أى اختراق حقيقى فى الجبهة وبأن كل الحسابات كانت خاطئة». وأضاف قوله: «وصلنا إلى طريق مسدود فى مستوى التكنولوجيا، وأنه على الأرجح، لن يكون هناك اختراق عميق من جانب قواتنا».
كما أشار إلى أنه ووفقا لما أشار إليه الناتو، «كانت أربعة أشهر كافية للوصول إلى القرم، والقتال هناك والعودة ومن ثم الدخول والخروج مرة أخرى». وقال إنه «لكى نخرج من هذا المأزق، نحتاج إلى شيء جديد.
كما أن الخطر الأكبر فى حرب الاستنزاف، هو أنها قد تستمر لسنوات وتؤدى إلى إنهاك الدولة الأوكرانية». ومضى الجنرال زالوجنى ليقول بحاجة أوكرانيا إلى المزيد من الأسلحة التقليدية ومنها الصواريخ، فضلا عن القدرات والتقنيات العسكرية بما فى ذلك الطيران، لمواجهة التفوق الكبير لروسيا فى الطيران والدفاع الجوي.
وتناول الجنرال الأوكرانى قضية الفساد الذى قال انه «تحول إلى نظام ومنظومة تلعب دورا كبيرا فى الصراعات العرقية فى شرق أوكرانيا». وأضاف أن ذلك كان سببا فى اعتماد زيلينسكى وسلفه بيترو بوروشينكو على المواجهة الدموية سبيلا إلى حل النزاعات العرقية بالقوة.
وقال إنه «من خلال تخيل أوكرانيا كضحية للعدوان الروسى ادعى زيلينسكى شأن سلفه بوروشينكو، ان أوكرانيا كانت على وشك الهزيمة من قبل قوة متفوقة، وراح يطرق أبواب بلدان العالم لجمع المعونة والمساعدات العسكرية والاقتصادية». وخلص إلى القول انه لا يمكن فصل الصراع العسكرى عن الفساد.
والفيجارو أيضا
كما كتبت «لوفيجارو» الفرنسية حول: «أن الهجوم المضاد الذى أشادت به القوات المسلحة الأوكرانية ضد روسيا لم يقدم أى شيء». كما قالت: «إن مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكى المنتخب حديثا، أعلن عدم موافقته على تخصيص المساعدة لأوكرانيا وفقا لمتطلبات التمويل العامة لبايدن»، فى الوقت الذى جاءت فيه حرب إسرائيل فى غزة لتسحب بساط الاهتمام من تحت أقدام أوكرانيا.
وتناولت وسائل الإعلام الغربية كذلك جريمة الهروب من الخدمة العسكرية فى أوكرانيا التى تحولت إلى ظاهرة ثمة من يقول إنها أسفرت عن ظهور أخري، تمثلت فى تفشى الفساد بين العاملين فى مكاتب التجنيد والتعبئة العامة والقوات المسلحة بوجه عام. ولعله كان لافتا للأنظار ان المعلقين والمراقبين فى أوكرانيا وضعوا «الفساد» فى صدارة أسباب تغيير الرئيس الأوكرانى زيلينسكى لوزير الدفاع الأوكراني.
وعلى الرغم مما قيل حول أن زيلينسكى ووزير دفاعه السابق الكسى ريزنيكوف راحا ضحية حملات «تشهير»، فقد استهل وزير الدفاع الجديد رستم عمروف مهمته بخطاب قال فيه إنه يبدأ نشاطه بأولويات سوف تشمل «جعل الوزارة المؤسسة الرئيسية لتنسيق قوات الدفاع وتعزيز القيمة المرتبطة بالجنود والأفراد وتطوير الصناعات العسكرية فى أوكرانيا والتصدى لظاهرة الفساد».
وكان زيلينسكى اتهم روسيا بنشر «معلومات كاذبة» حول الفساد فى أوكرانيا، من أجل حرمان كييف من الدعم الغربى مؤكدا «أنه لم تتم سرقة دولار واحد من شركائنا». وجاء ذلك فى الوقت الذى ذكرت فيه صحيفة «بوليتيكو» أن «الفساد فى أوكرانيا يمكن أن يقوض ثقة القادة الغربيين فى نظام كييف ويؤدى إلى وقف المساعدات الغربية الأوكرانية».
غير أن مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية أدرج أوكرانيا فى المرتبة 120 من أصل 180 دولة، فى الوقت الذى وصفت صحيفة «الجارديان» البريطانية أوكرانيا بكونها «الدولة الأكثر فسادا فى أوروبا».
ونقل موقع «سترانا» الإلكترونى عن نقيب فى القوات المسلحة الأوكرانية ما قاله حول: «إعلان بعض الجنود صراحة أنهم لن يخوضوا القتال، بحجة أن قضاء بعض الوقت فى السجن أكثر أمانًا من الموت على خط المواجهة».
ومع ذلك، يحاول الرافضون للخدمة العسكرية، الالتحاق بالقوات المسلحة من خلال العمل غير القتالى – حفر الخنادق، وبناء التحصينات، وتحميل الذخيرة والمعدات. وفى قول آخر عن ملازم أول فى القوات المسلحة الأوكرانية، فإن السبب الرئيسى للفرار «هو عدم وجود الدافع للخدمة بين المجندين، فضلاً عن الإرهاق الناتج عن الإقامة الطويلة على خط المواجهة».
ولم يقتصر الحديث حول الأوضاع الداخلية الأوكرانية على الصحف المحلية وحسب، بل شمل التغيير صحفا ومجلات عالمية وأمريكية ومنها «التايم» و«نيوزويك» الأمريكيتان. وكانت مجلة «التايم» الامريكية اختارت فى عام 2022 الرئيس الأوكرانى زيلينسكى «شخصية العام» الذى احتلت صورته غلافها الأمامي، لتتوقف المجلة نفسها فى العام التالى عند شخصية زيلينسكى الذى نشرت صورته فى زى عسكرى مموًه فى أسفل الغلاف الأمامى على مساحة صغيرة جدًا، ونظره متعلق بمكان ما، وهو يدير ظهره للقراء.
ولعل ذلك يمكن أن يكون إشارة مناسبة ذات مغزى. ويا له من تناقض لافت للنظر حقًا! فذلك تحول فى المواقف من الرئيس الذى لطالما تمتع بالترحيب والتهليل والتصفيق، الى الاستقبال الباهت، بل وصوب من صارحه مباشرة بأن زيارته غير مرغوب فيها، مثلما حدث أخيرا مع زيارته التى طلبها بنفسه الى إسرائيل.
وكان زيلينسكى بادر بطلب زيارة إسرائيل مع بداية المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس فى قطاع غزة، وهو ما رفضته السلطات الإسرائيلية وطلبت تأجيل الزيارة إلى وقت لاحق.
ويخطئ من يقول إن الزيارة كانت تستهدف إبداء الدعم والتأييد من جانب أوكرانيا لإسرائيل فى مثل هذا التوقيت العصيب، بقدر ما كانت تبتغى مفاتحة القيادة الإسرائيلية حول رغبته فى مفاتحة اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة بشأن تنشيط المساعدات والدعم الأمريكى لأوكرانيا.
وكان ألكسندر ماركوفسكى كبير الباحثين فى مركز لندن للدراسات السياسية فى نيويورك كتب مقالا بعنوان «تراجع زيلينسكي» قال فيه إن الرغبة فى الحصول على المال كان لا بد أن تسفر عن اندلاع النزاع مع روسيا «ونجم عنها جر أوكرانيا إلى صراع وحشى ساهم فى نهاية المطاف فى تدمير الذات».
ولم يغفل الإشارة إلى أن زيلينسكى كان يعلم بلا شك أن أوكرانيا باتت ورقة مساومة فى الصراع الجيوسياسى بين الولايات المتحدة وروسيا، وكان بإمكانه تجنب الصراع من خلال الامتناع عن طلب عضوية الناتو». وها هى «التايم» الأمريكية وبعد أن «هدأت مشاعر السنة الأولى من الصراع الكبير»، تتناول ما تراكم من أسئلة كثيرة إلى السلطات الأوكرانية جرى بموجبها تسجيل فيها عام 2023 بما تضمنه من متغيرات حول فشل الهجوم الاستراتيجى الكبير، جنبا إلى جنب مع انفجار فضائح الفساد التى «كانت أعلى صوتا فى بعض الأماكن، من أصوات المدفعية والهجمات الصاروخية» على حد قولها.
ولعل ما بلغته علاقات أوكرانيا من تدهور وفتور مع بولندا التى لطالما كانت الأقرب لها بين بلدان شرق أوروبا، يشير إلى تراجع مواقع وسياسات الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكي.
فها هى وارسو تعلن صراحة عن توقفها عن تقديم الدعم العسكرى إلى كييف، بعد أن سبق وأعلنت عن توقفها عن استيراد الحبوب من أوكرانيا. وكانت المجر اتخذت مثل هذه المواقف الذى سارع رئيس حكومة سلوفاكيا الجديد روبرت فيتسو بإعلان تبنيه لمثيلاتها، ما وضع حكومة زيلينسكى فى مواقف لا تحسد عليها.
وكانت موسكو سبق ورصدت تحولا فى ميول وتوجهات البلدان الغربية التى تغيرت لهجة قياداتها، وما تنشره وسائل إعلامها من توقعات بائسة عن آفاق وقدرات القوات المسلحة الأوكرانية. بل ثمة مؤشرات تقول باحتمالات البحث عن بديل لزيلينسكي، تمثلت فيما أورده الجنرال فاليرى زالوجنى من انتقادات للقائد الأعلى للقوات الأوكرانية المسلحة وسياساته التى أوصلت نشاط هذه القوات الى طريق مسدود، فى مقاله الذى نشره فى مجلة «الايكونوميست» البريطانية.
مجلة المراسل