رياضة الجولف تحتاج إلى ملاعب واسعة، ذات أرضية خضراء، لذلك نشأت الرياضة، وازدهرت في بلاد الشمال الأوروبية والأمريكية، حيث الأمطار الغزيرة، والتي تبقي التربة خضراء بالحشائش، التي يتم قص أعلاها، بحيث يُعطي ما يتبقى من تِلك الحشائش الأرض بساطاً أخضر، ويتم عمل الحُفرات بالعُمق والعدد المطلوب لتِلك الرياضة البطئية الأداء، والتي قد تستمر، لا فقط عِدة ساعات، بل عِدة أيام، أحياناً.
ولذلك، لا تحظ رياضة الجولف بنفس الشعبية، حول العالم، مثلما الرياضات سريعة الأيقاع -مثل كُرة القدم، والسلة، والتنس، والمُلاكمة، والمُصارعة، التي تنتهي المُنافسة فيها في ساعتين، وأحياناً في دقائق، على الأكثر.
ومن هنا كان الاهتمام المُختلط بالاستغراب، لما تناقلته وكالات الأنباء عن شراء السعودية لأحد أندية الجولف العالمية، والذي سيدخل كالعادة في منافسات دورية مع فِرق الأندية العالمية الكُبرى. وهو الأمر الذي سيحدث الاهتمام الرياضي العالمي، وسيُصلت الأضواء على المملكة العربية السعودية، والتي كان ذلك الاهتمام، طوال القرن السابق محصوراً فيها على النفط والغاز، بصفتها أحد أكبر المُنتجين لهما في العالم.
والواقع أنه منذ أطلق الملك سلمان، يد نجله وولي عهده محمد بن سلمان لإصلاح وتطوير شئون المملكة، والشاب الطموح لا يكل ولا يمل عن مُبادراته، التي تمثل كل منها ثورة – بداية بإجبار آلاف الأمراء، إما بالإفصاح عن كيفية مراكمة ثرواتهم، أو التنازل عنها للصندوق السيادي السعودي، ومروراً بتحرير المرأة السعودية، في العمل والسفر، بلا محرِم، وقيادة السيارة.
كذلك أطلق يد البعثات الأثرية السعودية والأجنبية في البحث والتنقيب في كل أرجاء الجزيرة السعودية إلى عصور ما قبل الإسلام. وكانت المفاجآت تتالى، والتي كان ضمنها، اكتشاف آثار تعود إلى ألفي سنة قبل ظهور الإسلام. أي أن بعضها يعود إلا ألفي سنة قبل الميلاد، وبالتالي، كان مُعاصراً لأواخر الحضارة الفرعونية، وللحضارات الثلاث الأخرى القديمة -الفارسية، واليونانية الإغريقية، والرومانية. وبالتالي، فإن السعودية إلى جانب احتضانها للمقدسات الإسلامية، في مكة المُشرفة، والمدينة المنورة، فإنها الآن تحتوي على مزارات سياحية إضافية، جاذبة للمسلمين وغير المسلمين، ولتصبح مصدراً إضافياً للدخل في المملكة.
أما المبادرة الثالثة المُثيرة، فهي التنمية السياحية والتجارية بامتداد الساحل السعودي، بامتداد البحر الأحمر، إلى الحدود المشتركة مع الأردن، عِند العقبة، وإلى السواحل المشتركة مع مصر، عند سواحل سيناء، في شرم الشيخ، والسويس. وهو المشروع الذي أعطاه محمد بن سلمان، اسم ديوم. وهو مشروع واعد للبُلدان العربية الثلاث -السعودية ومصر والأردن.
أما المُبادرة الاستراتيجية المزدوجة فهي المُصالحة مع إيران بوساطة صينية، بعد أكثر من أربعين عاماً من التوتر والبرود مع الجارة إيران، عبر الخليج. وهو أيضاً ما يوقف الجماعات الشيّعية في اليمن، والكويت، ولبنان، من استهداف الحدود والمصالح السعودية.
وضمن ذلك السعي السعودي لتنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة، فهو الإسهام في مشروعات استثمارية خارجية، في الخارج -أوروبا، والأمريكتين، واستراليا، والفضاء الخارجي.
وضمن ذلك، يمكن قراءة صفقة شراء فريق النادي الأمريكي، ليصبح نواة توطين تِلك الرياضة في السعودية، وربما ما لا يعرفه القارئ المصري، غير المتخصص أو الهاوي الرياضي، هو أن الرياضة في أوروبا والأمريكتين واستراليا، أصبحت تجارة وصناعة، شأنها شأن السلع والخدمات، التي يتم تداول أسهمها في البورصات العالمية. ويشمل ذلك اللاعبين الأفراد، والمُدربين، والحُكام، بل وأحياناً الأندية بكاملها.
ومع مزيد من العولمة، واندماج عرب الخليج فيه، ربما أكثر من بقية الشعوب العربية، أصبحت مُتابعة الدوري الإنجليزي، والدوري الألماني، والفرنسي، والأسباني، جزءاً من العادات اليومية مثلها في ذلك، مثل متابعة الدوريات العربية -السعودي، والخليجي، والمصري بل وأصبح لفرق وأنديات تِلك الدوريات، مغرضين، بل متعصبون، عرب من أبناء تِلك البُلدان.
ولا شك أن ذلك كله كان معلوماً لمن اتخدوا القرار، بشراء النادي. فسبحان الله في الملوك من الأفراد، وتبارك الله في الأندية التي تملكهم وتتاجر بهم، وهنيئاً للمملكة العربية السعودية على الصفقة. وعلى الله قصد السبيل