حسن عامر المشهد يصلح للكوميديا السوداء : مجموعة من النسوة يتشحن بالسواد ، يقتحمن حفل زفاف ، ، وينهنن بالبكاء ، ويستغرقن في نوبة صراخ إحتجاجا علي الحفل وعلي المناسبة وعلي شركاء الفرح … تسألهن : ماهي الحكاية . ماعلاقتكن بالزفاف .. فلا تجد جوابا .. إلا كلاما غثا ، ومظلمة مالها من قرار .
هذا المشهد يلامس تماما : إحتجاج عدد من الأصوات عما يحدث من تطوير لحي مصر الجديدة ..
الذي عاش حي مصر الجديدة وولد علي أرضه ، تتملكة الأحزان منذ بداية الثمانينات حتي الآن .. فقد تعرض الحي الي هجمة عشوائية ، شوهت ملامحة الأساسية ، وأزالت كل المعالم الجمالية المميزة . وضمته عنوة الي قائمة الأحياء العشوائية والريفية …
ماحدث لمصر الجديدة ، يمكن تجسيدة بما حدث لعمارات الخديوي في شارع عماد الدين .. إختفت الواجهات الجميلة ، واللوحات المعمارية البارزة ، وإكتست قبحا مابعده قبح .. وإنهارت مداخل العمارات ، وسقطت درجات السلالم الرخامية أو سرقت ، وتحولت الأسطح الي غابة عشوائية من العشش وغرز المخدرات والدعارة .. باختصار خسر حي مصر الجديدة هويته تماما علي إمتداد العقود الأربعة الماضية ..
الآن نحن أمام مشروع لإعادة ترتيب الحي ، والأرتقاء بالمستوي الحياتي واليومي للسكان .. وهذا أمر جيد وهدف نبيل .. لسنا أمام مشروع لإعادة مصر الجديدة التي نعرفها .. والتي يجهلها تماما الأجيال المعاصرة .. السكان المقيمون في هذا الحي ويصل عددهم الي مليون بني آدم علي الأقل . يحتاجون الي شبكة طرق جديدة بدلا من حالة الإختناق التي إعتصرت الشوراع سنوات طويله . في حاجة الي ميادين تشكل رئة للسكان . في حاجة الي إعادة النظام جبرا ، أو ثقافة .. وبلاش نواح ياست أمينه خيري .. وبلاش فرقعة صحفية ياأستاذ عماد الدين حسين الذي كتب أمس إستمعوا الي سكان مصر الجديدة .. مصر
طرق «مصر الجديدة» السريعة أمينة خيري المصري اليوم ١٩ يناير ٢٠٢٠
أعلم أن عبارة «الحوار المجتمعى» أصبحت سُبّة فى الجبين بعد ما تحولت عوارًا مجتمعيًا يكتنفه السب والتخوين والتشهير، وأن مجموعات الواتس آب وغيرها تحولت عشوائية تهبد وتتبع مبدأ «الطناش المجتمعى» فيما يختص بمصر الجديدة.
وكما تمت الإشارة قبل أيام هنا، فإن الغالبية تدعم وتثمن عمليات التطوير والتحديث. لكن للتطوير أصولاً جمالية وللتحديث قواعد معمارية، لا سيما حين يتعلق الأمر بحى عريق ذى طبيعة معمارية ظل يباهى بها منذ بنائه قبل ما يزيد على قرن كامل على يد البارون إمبان.
صمت السكان أشهرًا طويلة أثناء عمليات التطوير. لكن حين ظهرت ملامح التحديث، فوجئ الكل بطابع معمارى خرسانى غريب، ومسارات مرورية غير منطقية، وغياب المشاة تماماً عن الفكر.
حتى محاولات تزيين الخرسانات الطاغية عبر الوعود بزراعة أجسام الكبارى وأعمدتها كانت أشبه بمن جاء ليكحلها فأفقدها ما تبقى من إبصارها. فاستدامة المزروعات فى الأماكن العامة لما بعد الافتاح الرسمى مستحيل، وذلك باستثناء الأماكن بالغة الاستراتيجية حيث يجرى «تغيير» الزرع كلما ذبل.
وكان يمكن بناء الكبارى بطابع معمارى يناسب الحى، وهو ما لم يحدث. وكان يمكن أن يلعب نواب البرلمان عن الحى دور همزة الوصل بين الناخبين والمسؤولين، وهو ما لم يحدث.
وما حدث أخيراً هو جهد فردى من النائب المحترم عن مصر الجديدة والنزهة السيد مدحت الشريف الذى طالب ببناء مطبات صناعية مؤقتة للحفاظ على أرواح المارة المهدرة نتيجة تحول الكثير من الشوارع إلى ما يشبه الطرق السريعة بإزالة الجزر فى منتصفها ومعها آلاف الأشجار. لكن الصدمة الحقيقية كانت فى حديث أستاذ الطرق والنقل ومهندس تطوير مصر الجديدة الدكتور أسامة عقيل الذى فند «أكاذيب» طمس هوية مصر الجديدة وقتل الأشجار بقوله إن ما جرى فى هذا الشأن «تابع لمحافظة القاهرة ولا شأن لنا به»!!! وأشار عقيل كذلك إلى أن بناء كبارى مشاة يجب أن يكون دور المجتمع المدنى ورجال الأعمال وليس الدولة!!! يشار إلى أن دكتور عقيل قال فى حديث لـ«دويتش فيللة» فى يوليو الماضى إن «جزءًا كبيرًا من الطرق السريعة فى مصر يخترق التجمعات العمرانية والمناطق السكنية. كما يعانى جزء آخر من الطرق من عدم تقسيمه لحارتين متقابلتين بما يعد من الأسباب الأساسية لوقوع الحوادث». وقتها لم تكن شوارع مصر الجديدة الرئيسية قد تحولت بعد إلى «طرق سريعة» باتجاه واحد حاصدة الأرواح.
المثير أن هناك من يبشرنا بتخصيص أماكن عبور مشاة (تلك التى تحمل خطوطاً على الأرض) وتعتمد على وعى قائد السيارة بوجود هذا الاختراع. ويبدو أن هؤلاء لم يصل إلى مسامعهم أن قادة السيارات حالياً لا تستوقفهم حتى الإشارات الحمراء، ناهيك عن التكاتك والسير العكسى وجنون السرعة. فهل يوقف هؤلاء خطوط عبور المشاة؟ أم أن هذه دعابة؟